في شهر رمضان الفضيل، وتحديدًا بتاريخ ١٦ رمضان ١٤٤٢ هـ، الموافق ٢٨ أبريل ٢٠٢١م، تلقيت رسالة الكترونية من أحد المنظمين في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وهو المركز المعني بكل ما يخص الأعمال الإغاثية والتطوعية خارج المملكة وبشكل منظم ورسمي، تلقيت منهم رسالة تفيد بعرض الخيار في التطوع الإعلامي الإنساني، في مجموعة من الدول تتنوع بين قارتي آسيا وأفريقيا، كانت من بين تلك الخيارات، باكستان.

لأجل الإنسان

رحلة التطوع الطبية في كراتشي، باكستان

أبديت موافقتي فورإطلاعي على تواريخ الرحلة، ونوع الحملة التطوعية المزعم قيامها في باكستان، تذكرت فورًا رحلتي السابقة في باكستان، في أواخر خريف عام ٢٠١٨م عندما لبيت دعوة زفاف صديقي حمزة، الذي أكرمني بالسكن في منزله، كانت تلك الرحلة سببًا للتعرف على باكستان من الداخل، وكيف أن لهذه البلاد الجميلة سببًا وأثرًا ممتد في داخلي إلى الآن. زرت في تلك الرحلة، مدينة التاريخ والثقافة لاهور، ومدينة الطبيعة والعاصمة الحديث إسلام أباد، وأقمت في مدينة راولبندي عدة أيام، ومن ثم اتجهت إلى الشمال، إلى طريق القاراقورام (أو طريق الكاراكورام) الدولي، بين الجبال الشاهقة وصولًا إلى حدود الصين.

أكاد أجزم بأنه لا يوجد شابًا سعوديًا نشأ في حياته داخل المملكة دون الإلتقاء والتعامل مع رجل من باكستان، فهم كما نصفهم دائمًا أصحاب القوة الجسدية التي تمكنهم من تنفيذ عملهم بإتقان، فكثير من المهن والأعمال الحرفية تجدها تقدم باحترافية عالية عن الجالية الباكستانية، إضافة لحبهم الشديد لأرض الحرمين، ولتعاملهم المخلص الدؤوب لشعب المملكة بشكل عام.

أتيحت لي الان الفرصة لزيارة باكستان مرة أخرى الآن، ولكن لمهمة تطوعية إنسانية، يقوم بها مركز أنشئ بمرسوم ملكي غايته الوحيدة والأساسية هي الإنسان.

إن كنت لا تعلم (أو في حال قرائتك لهذه المدونة بعد عدة سنوات من العام ٢٠٢١) فنحن الان في مراحل التعامل مع وباء فيروس كورونا، ولكن، وفي بعض دول العالم، فقد ظهر فيروس جديد ومتحرر من الفيروس السابق، ينتشر بكثرة في الهند، وبسبب مجاورة باكستان للهند، وبسبب الكثافة السكانية ومحدودية الطاقة الصحية الاستيعابية، كان السفر لباكستان غير مسموح دون أذن رسمي ولأسباب تتعلق بصحة الإنسان.

ابديت استعدادي الكامل، تكفل المركز كعادته مشكورًا، بتكاليف النقل والإعاشة وتلبية جميع الإحتياجات اللازمة التي تسهل علينا كفريق عمل متكاتف ودؤوب القيام بعمله، خصوصا في فترة صعوبة التنقل الجوي من وإلى باكستان هذه الأيام، إلى أن حانت ساعة العمل.

الأربعاء ٩ يونيو ٢٠٢١

لم أنم جيدًا تلك الليلة، كنت في تلك الفترة أمر بأرق متقطع ناتج من ضغط العمل، نمت في الواحدة والنصف صباحًا، وصحوت بحماس شديد -يفوق حماسي للذهاب لعملي- في الثالثة فجرًا، انتظرت وقت الصلاة إلى أن حان في الثالثة والنصف، صليت، وخرجت من منزلي متجهًا إلى المطار.

اجتمع كامل الفريق الذي حضر من مختلف مدن المملكة، في الصالة رقم ١ للطيران الدولي، وبصحبتنا جميع المستندات الرسمية من فحوصات لمسحة كورونا الصحية، التأشيرة الإلكترونية، وبقية مستندات السفر الأخرى، هذه المرة الأولى التي أزور بها الصالة الدولية منذ فبراير ٢٠٢٠م، كنت كثير التردد على هذا المكان، أعود إليه الآن بعد سنة ونصف باشتياق شديد

تعرفنا - نحن فريق العمل- على بعضنا البعض، تآلفنا سريعًا، قضينا وقت الرحلة بالحديث الماتع رغم الإرهاق الشديد وقلة النوم، هبطنا أولا في مطار العاصمة إسلام أباد، استقبلنا الاستاذ علي الدوسري من سفارة المملكة في إسلام أباد، وهو شخص طيب خلوق أكرمنا حق الكرم، وسهل علينا إجراءات دخول البلاد بيسر وسهولة، أكملنا بعدها الرحلة إلى كراتشي.

كراتشي

كما تبدو من الأعلى، مدينة ضخمة ورطبة، يبلغ عدد سكانها قرابة ٣٠ مليون نسمة

الخميس ١٠ يونيو

هذا هو يوم العمل الفعلي في كراتشي، خرجنا من فندقنا في تمام التاسعة صباحًا، متوجهين في طريق يستمر حوالي ٤٥ دقيقة، يبلغ عدد سكان كراتشي حوالي ٣٠ مليون نسمة، وفي ساعات الذروة الصباحية كانت البلاد توحي -دون أي مجهود- مدى الكثافة السكانية بها، كثافة لم أعهدها بمدينة لاهور ولا في مدينتي إسلام وراويلبيندي، متجاوزين الزحام قدر الإمكان، حتى وصلنا إلى مستشفى الابراهيمي للعيون.

التقينا بالمسؤولين، جولة تعريفية في المكان، ومن ثم، بدأ العمل

يعتبر هذا المشفى الكبير بحجمه، مشفى خاص، يأخذ رسومًا ممن يستطيع دفع تلك الرسوم، أما من لا يستطيع دفع تلك الرسوم، وإن كانت بسيطة، فيتكفل المشفى بدفعها نيابة عنه، وتكون عادة من ميزانية تمول مع الجهات الخيرية التي تساهم بكل وسيلة متاحة للحول عن العمى والأمراض المستعصية بتوفيق من الله.

يبلغ عدد سكان مدينة كراتشي حوالي ٣٠ مليون نسمة، كانت العاصمة السابقة لباكستان عند استقلالها من الهند على يد محمد علي جناح، الذي ستجد صوره في كل مكان في هذه المدينة، كل شيء تقريبًا مسمى باسمه، حتى مطارها الدولي سمي باسمه.