لأجل الإنسان
بدأت القصة في الأول من شهر أبريل من هذا العام وأنا في طريقي إلى عملي، لأتلقى اتصالاً أجهل مصدره، أخبرني المتصل بأنه من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وأنه قد تم ترشيحي للمشاركة في تجربة تطوعية والسفر إلى أحد الدول التي يدعمها المركز وبشكل رسمي، أتذكر حينها أنني توقفت على جانب الطريق من فرحة ما سمعت، وأخيرًا، حانت لي فرصة العمل التطوعي التي لطالما أردت القيام بها.
لم أكن أعلم إلى أين ستكون وجهتي ولا عن عدد الأيام، لم أكن أعلم حينها أي شيء، إلي أن تم إخباري قبل السفر بأيام قليلة بأنني سأذهب إلى جمهورية طاجيكستان الإسلامية، ياللمصادفة، لقد ذهبت العام الماضي إلى جمهورية أوزباكستان، وكنت أنوي في صيف هذا العام الذهاب إلى طاجيكستان، إستكمالاً لمسار طريق الحرير الذي أكن له إهتماماً ومحبة كبيرة، إنها لفرصة مناسبة لرؤية البلد وشعبه من جانب قد لا يتاح لي رؤيته لو ذهبت إى هناك وحيداً.
تكفل المركز الإغاثي -مشكورًا- بكل شيء، بداية بإجراءات التأشيرة الرسمية، وإنتهاءاً بمصاريف المأكل والمشرب والمسكن والتنقل من وإلى العمل الإغاثي، لم أكن أحتاج إلا أن أجلب معي الهمة والعزيمة والنية الصافية العميقة للتطوع من أجل الإسلام، ومن أجل المملكة، ومن أجل الإنسان.
الأربعاء ١ مايو ٢٠١٩م
سرت إلى مطار الملك خالد الدولي بعد بزوغ ساعات الفجر بقليل، كنت أحمل السترة الرسمية والتي يجب علينا ارتداؤها أنا وبقية زملائي الثلاثة الذي سيرافقوني في هذه الرحلة، التقيت بهم جميعاً في المطار، لم أكن أحمل معي سوى حقيبة صغيرة جداً لا تحتاج إلى شحن جوي، أقلعت الطائرة التابعة للخطوط التركية في تمام السابعة صباحاً متوجهة إلى مدينة اسطنبول التركية.
٩ ساعات من الإنتظار
لم يسبق لي زيارة تركيا من قبل، ولكن سمعت عنها بما يكفي هذه الأيام، لم تكن ساعات الإنتظار قصيرة، كان المطار الحديث والذي لم يمضي على افتتاحه سوى أسابيع قليلة جميل بما يكفي للتسكع في جميع أرجاءه بلا ملل ولا كلل، فضلاً عن استغلال ماتبقى من الوقت في القراءة.
إلى دوشنبه
أقلعت الرحلة الأخرى في في التاسعة مساءاً، غلبني النعاس، كنت حينها أقرأ رواية اسمها "قمر على سمرقند" للكاتب محمد المنسي قنديل، انهمكت في قرائتها كثيرًا رغم نعاسي الشديد، كان مقعدي يقع على نافذة الطائرة، مررنا من فوق مدينة بخارى الأوزبكية، رأيت برجها الشاهق، البرج الذي لم يتمكن جنكيزخان من تحطيمه ذهولاً به، رأيته بشكل واضح من على إرتفاع عالٍ شاهقاً منيرًا، تمنيت لو أستطيع النزول قليلاً لأتسكع بضع ساعات في هذه المدينة البهية، وربما أيام.
الخميس ٢ مايو ٢٠١٩م
وصلنا إلى مطار مدينة دوشنبه الدولي في الثالثة والنصف فجرًا، كنا منهكين بما فيه الكفاية، كان المطار بسيطاً متواضعاً جداً، توقفنا عند الشباك الرسمي المخصص للضيوف، كنا جميعاً نحمل تأشيرة سفر الكترونية، لم يستغرق إنتهاء إجراءات الدخول إلى البلاد وقتاً طويلاً، بعكس استلام أمتعة الأصدقاء، والتي تأخرت كثيرًا قبل وصولها.
كان في استقبالنا أحد الموظفين من السفارة السعودية، وهو الأخ سعد الأسمري، حضر وبصحبته سيارتين إحداها صغيرة والأخرى كبيرة، ليوصلنا إلى الفندق والذي لا يبتعد كثيرًا عن المطار، فالمدينة بمجملها صغيرة المساحة، متقاربة المسافات.
وصلنا إلى الفندق في حوالي الرابعة والنصف فجرًا، أخبرنا المشرف على الرحلة التطوعية بأنه يجب علينا الخروج للذهاب إلى وجهتنا الأولى في الثامنة والنصف صباحاً، لم يكن هناك وقتاً كافياً للنوم، لابأس من إراحة الجسم بضع ساعات فقط، لم أغلق الستائر ولم أطفئ الأنوار خوفاً من أن يأخذني النوم لساعات طويلة أندم عليها لاحقاً، صحوت (دون منبه) في السابعة والنصف صباحاً وأنا في كامل حماسي وشغفي.
تحركنا بعد تناول طعام الإفطار نسير في شوارع العاصمة دوشنبيه، يظهر على طابع المدينة الهدوء والبساطة، وكثرة المنازل المتواضعة والتي بمعظمها ذات أسقف معدنية، بالإضافة إلى الكثير من الأعمال الإنشائية الواضحة للعيان، من المرجح أن تكون المدينة في اختلاف كبير جداً إن عدت إليها بعد بضعة أعوام.
سرنا إلى بلدة صغيرة تدعى ڤوس وهي تبعد حوالي ٣ ساعات في طريق جبلي مليئ بالمروج الخضراء والأنهار الزرقاء، كانت زيارتنا في فصل الربيع فرصة جميلة لرؤية كيف المنظر العام أخضراً جميلاِ في هذا الوقت من العام.
وصلنا إلى الموقع الأول وهو مبنى كبير يحتوي على ساحة كبيرة، يظهر لي من تصميمه وكأنه أحد تركات الإتحاد السوفييتي، قمنا بتقسيم المهام بيننا لضمان توزيع المؤونة الغذائية الخاصة بجميع الأسر المسجلة، وهي مؤونة تكفي لكامل الأسرة في فترة شهر رمضان الكريم، تم تقسيم المهام على المتطوعين، كان دوري في اليوم الأول هو التحدث مع أكبر عدد من المستفيدين والإستماع لآرائهم حول مكونات السلة الغذائية، وتسجيل جميع مقترحاتهم وأفكارهم والتي قد تحسن وتساهم في رفع مستوى الفائدة للمستفيدين بشكل كبير، بالإضافة لبعض الأسئلة الروتينية الأخرى.
ذهبنا بعد اتمام المهمة الأولى إلى تناول طعام الغداء والذي كان في ضيافة محافظ البلدة، كانت جميع أصناف الطعام مألوفة لدي، وذلك بسبب زيارتي السابقة لجمهورية روسيا الإتحادية وجمهورية أوزباكستان.
إن عادة سكان دول آسيا الوسطى الكرم والكرم دائماً، وهو أمر لا حظته في جميع المناطق التي زرتها مسبقاً، استفتحنا المائدة بتناول الفاكهة، تشتهر هذه الأرض بالكرز الطيب والفراولة والتوت الطيب جداً، أكاد أجزم بأنني لم أتذوق فراولة حالية المذاق كهذه في حياتي، ومن محاسن زيارتنا أنها كانت في وقت موسم حصاد الفاكهة.
كان على طاولة الخبز الطاجيكي، والذي يسمونه نون، أو نان، وهو معيار الضيافة في جميع دول آسيا الوسطى، فضلاً عن الشاي الذي يقدم بدون سكر كما اعتدت أن اشربه، كان على الطاولة أيضاً بعض من الأجبان المتنوعة.
ثم قدموا لنا بعد ذلك الوجبة الرئيسية، وهي عبارة عن مشويات لأصناف طازجة من اللحوم يسمونها هنا "شاشليك" بالإضافة لحساء المعكرونة باللحم الذي يسمونه "لغمن" وكلها أطعمة تنتشر في دول آسيا الوسطى كنت قد تناولتها مسبقاً وأعرفها جيداً.
بعد قليل من الراحة ذهبنا للتجول في أرجاء البلدة، رأينا بعض الأعمال المتفرقة والتي تكفل المركز الإغاثي ببنائها جميعاً، سرنا بعد ذلك إلى الموقع التالي لتوزيع المؤونة الغذائية على المستفيدين.
أوشكت الشمس على المغيب، اقتربت الساعة من السادسة مساءاً، سرنا نعود إلى العاصمة، غلبنا الإرهاق والنعاس، ولكن نشوة السعادة التي نشعر بها كفيلة بإزالة كل تعب وإرعاق نشعر به.
الجمعة ٣ مايو ٢٠١٩م
غادرنا الفندق في التاسعة صباحاً متوجهين إلى مدينة اسمها دنجرا، وهي تبعد حوالي ثلاث ساعات عن العاصمة دوشنبه، بدأنا ترتيب المستفيدين وتوزيع المؤونة من التاسعة والربع وحتى الثانية ظهرًا، استمر العمل خمس ساعات لم أحس بها سوى بنشوة الفرح والراحة العظيمة وأنا أرى الأسر المتلقية، كان دوري في اليوم الثاني هو ترتيب المستفيدين على شكل مجموعات، والمساعدة في حمل المؤونة وإيصالها إلى السيارة، العربة، الدراجة، أو غيرها من وسائل النقل التي تخص كل عائلة، أو حتى ترتيبها لحين حضور سيارة الأجرة لمن لم يملك وسيلة نقل مناسبة.
اجتمعنا بعد ذلك مع محافظ المدينة وبعض ممثلي السلطات المحلية للسلام عليهم وتناول طعام الغداء، عدنا إلى العاصمة دوشنبيه في حوالي الخامسة عصراً للراحة استعداداً لحضور مأدبة عشاء في المساء
كان لدي متسعاً من الوقت للتجول في المدينة، خرجت أسير في الخارج وبشكل عشوائي دون هدف، دائماً ما أفضل الضياع في المدينة واستمتع بالضياع بها خصوصاً عند التجول بها للمرة الأولى، رأيت جامعة عريقة، شوارع فسيحة، ممرات جميلة، أشجار طويلة، كان المنظر العام هادئاً جميلاً بسيطاً، جعلني أفكر لوهلة وأسأل نفسي قائلاً: "كيف يمكن أن تكون الحياة في دوشنبه؟"
سرت على خط مشاه طويل لينتهي بي عند ميدان وسيع، يوجد به تمثال شاهق الإرتفاع لإسماعيل الساماني، والذي كان يلقب بالأمير العادل، ينطق اسمه باللغة العربية "اسماعيل ساماني" وباللغة الفارسية -التي هي لغة أهل البلاد- يسمونه "اسماعيل سوموني" وهو أول من أسس الدولة السامانية.
كنا على موعد لحضور مأدبة عشاء بدعوة من سعادة سفير المملكة العربية السعودية في طاجيكستان، الأستاذ عبدالعزيز بن محمد البادي، والذي ألهمنا هو وفريقه مشكورين بكافة وسائل الدعم وتوفير سبل الراحة طيلة فترة إقامتنا في طاجيكستان، بعد تناول العشاء سألنا سعادة السفير "من منكم يرغب بالحضور إلى إلى طاجيكستان للسياحة؟" رفعت يدي فوراً، متشوقاً متلهفاً لرؤية هذه البلاد بشكل مفصل، طلب مني سعادة السفير شخصياً أن أدعوا جميع أصدقائي ومعارفي لزيارة طاجيكستان، وها هو سعادة السفير يدعوكم لزيارة هذه البلاد الجميلة.
السبت ٤ مايو ٢٠١٩م
وهو اليوم الأخير المخصص لتوزيع المساعدات، يليه يوم للراحة قبل العودة إلى المملكة، يوم خفيف جداً مقارنة ببقية الأيام، السابقة، توجهنا إلى مقر جمعية الهلال الأحمر في العاصمة دوشنبه، كان عملي هذا اليوم مزيجاً بين كل الأعمال السابقة التي قمت بها في اليوم الأول والثاني، استمر علملنا إلى الساعة الرابعة عصرًا.
جولة في دوشنبه
جرت بي العادة أن لا أطيل في العواصم كثيرًا، فعادة العواصم التشابه في الخصائص والصفات في معظم دول العالم، إلا أن لدول آسيا الوسطى ما يميز حتى عواصمها، هناك الكثير لزيارته في دوشنبه، بداية من المتاحف والحدائق، مروراً بمساجدها الجميلة، وانتهائاً بالمركز الإسماعيلي المميز في دوشنبه، لعلي أن أخصص تقريراً مفصل عن مدينة دوشنبه قريباً
محبة من القلب، إلى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية
على الرغم من مدة الرحلة القصيرة، والتي بالطبع لا تكفي لأن أحكم عن الجهود العظيمة التي يقوم بها المركز الإغاثي لتقديم الدعم للدول المستفيدة، إلا أن ما رأيته عن قرب في هذه الأيام القليلة من حرص وتفاني ودقة في العمل الجبار الذي يشرف عليه المركز، وهو بتوفيق من الله سبحانه وبدعم خادم الحرمين الشرفين وسمو ولي عهده الأمين، وإني أكن لهم كل الشكر والإمتان لأتاحة الفرصة للمساهمة تطوعاً في خدمة الإسلام والمسلمين.
سؤال: كيف يمكنني التطوع مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية؟
جواب: من خلال التسجيل على موقع المركز الرسمي https://www.ksrelief.org