في شهر مارس من العام 2020، تلقيت اتصالا من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وهي الجهة الرسمية المعنية في كل ما يخص الأعمال الإغاثية خارج المملكة، تلقيت منهم اتصالا تحدثنا حينها حول إمكانية الذهاب إلى اليمن السعيد، في رحلة إغاثية تطوعية، حيث أن التطوع سمة أساسية من سمات المركز، إلا أن الأحداث الصحية حالت دون ذلك للأسف الشديد.

بعد مرور أقل من سنة، وتحديدًا في مطلع يناير من العام المنصرم 2021 تلقيت رسالة من اللجنة الإعلامية من المركز الإغاثي، يستعلمون بها عن رغبتي في المشاركة الإعلامية بالتصوير وتغطية الحملة الإغاثية والتي كانت تحمل اسم "برنامج نبض السعودية التطوعي لأمراض وجراحات القلب" وهو المشروع السادس المخصص لجراحة قلب الأطفال.

لم تكن هذه المرة الأولى التي أشارك بها متطوعًا مع المركز، فسبق وأن شاركت معهم في ربيع عام 2018 في رحلة إغاثية إلى طاجيكستان، كمنسق آنذاك، ولكن هذه هي المرة الأولى التي أذهب بها كمصور إعلامي، وتحديدًا إلى محافظة حضرموت في اليمن السعيد.

في حال قرائتك لهذه المدونة بعد عدة سنوات من العام 2020 فيجدر عليك التذكر بأن اليمن تعيش حالة حرب منذ عام 2014 وبسبب هذه الحرب تأثرت معها الكثير من أساليب الحياة الاجتماعية والصحية، فضلًا عن وجود وباء كوفيد-١٩ الأمر الذي زاد الأمر سوءاً، أما بالنسبة لي كمواطن سعودي، فلم يكن السفر مسموحًا إلى خارج المملكة بسبب الوباء العالمي أولاً، ولم يكن أيضًا السفر مسموحًا إلى اليمن تحديدًا بسبب حالة الحرب التي تعيشها البلاد، ولهذا هنالك تراخيص رسمية وأذونات يجب استخراجها قبل البدء بالسفر، وهي جميعها إجراءات قامت بها إدارة المركز مشكورين على ذلك.

هناك ارتباط يمسني شخصيًا مع اليمن على وجه الخصوص، تاريخيًا، يعود عمر البلاد لما قبل العصر الحجري القديم، مروًا بالعصر الحجري الحديث والعصر النحاسي والبرونزي أيضًا، ولعلك سمعت بحضارات قديمة مثل سبأ وقبتان ومعين، وفي القرآن الكريم هناك قصة مملكة سبأ (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ) ولعلك أيضًا سمعت بعرش بلقيس ملكة سبأ وقصتها مع الهدهد والنبي سليمان (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) والعديد والتفاصيل التاريخية التي يصعب التطرق لها الان.

أما عن عصرنا الحالي، فيعتبر اختلاطنا بالحضارم جزء لا يتجزء من نمط حياتنا اليومي، سواءا في أماكن العمل العامة، أو حتى في أصناف الطعام اليومية التي اعتدنا عليها، فمن منا لا يحب تناول وجبة افطار أو غداء حضرمية، زد على ذلك، موقعها الجغرافي الذي جعل منها دولة جارة، وهذه كلها ماهي إلا أمثلة بسيطة لأسباب جعلت من رغبتي لزيارة اليمن رغبة ملحة، إلا أن الحرب حالت دون ذلك.

قال الشاعر المرحوم حسين أبو بكر المحضار عن مدينة المكلا، وهي المدينة التي زرتها أثناء الحملة الإغاثية:

“يالمكلا احفظي عهدك وهادي
ياتريم اجعلي خاطرك هادي
لاتقولين ياسيؤن ياهوين
كل ماجابه الله زين”

السبت ٢٣ يناير ٢٠٢١م

وصلت في تمام السادسة والنصف صباحًا إلى الفندق المجاور لمطار القاعدة، حيث نقطة التجمع والتي منها نسير بحول الله إلى اليمن، كان الجو بارد جدًا وكنت قد شفيت للتو من زكام ألم بي، عدد أفراد هذه الرحلة عشرون شخصًا، أربعة منظمون رائعون جدًا، أثنا عشر طبيب، ممرضتين، ومصورين اثنين.

تعرفنا على بعضنا البعض، تحدثنا كثيرًا، كنا ننتظر الموافقات اللازمة للذهاب إلى مطار القاعدة حيث الطائرة التي تأخذنا إلى اليمن.

لم يسبق لي ركوب طائرة عسكرية على الإطلاق، كانت الطائرة من نوع C-130 متوسطة الحجم ذات مراوح كبيرة، تشعر بثقلها عند الإقلاع والهبوط، ولديها ضجيج عالي، ضجيج يتطلب منك لبس سماعات ذات مواصفات خاصة لتقليل الضوضاء.

إلى مدينة المكلا

اقلعنا بعد صلاة العصر بقليل، بسبب الإقلاع من وسط مدينة الرياض، فقد كانت فرصة لأرى منظر المدينة وعلى ارتفاع منخفض بشكل رائع وجميل

استمرت الرحلة ساعتين ونصف، قضيتها في النوم وقراءة كتاب للشيخ محمد بن ناصر العبودي حول رحلة قديمة له إلى جمهورية الصين الشعبية، كان منظر غروب الشمس هادئ للغاية، بعد المغيب، لم نشعر الا والطائرة تحط على مدرج مطار الريان الواقع في محافظة حضرموت.

كانت معنا في الطائرة مجموعة من الأجهزة الطبية سيتم تسليمها إلى أحد المراكز الطبية البصرية في المدينة، استقبلنا رجال أكارم، صالة استقبال متواضعة، ارتحنا قليلًا، صلينا المغرب والعشاء، وبدأنا رحلة استغرقت حوالي ٤٥ دقيقة، إلى مدينة المكلا.

أول شيء لاحظته فور وصولي إلى اليمن هو ضعف شبكة إرسال الجوال، لا يمكن لشريحة الاتصال الصادرة من المملكة أن تعمل بخدمة تجوال انترنت عالي السرعة في اليمن، فلم أجد أي ظهور لا لإنترنت الجيل الرابع أو الثالث، الإنترنت، وهو الشيء الأساسي في نمط حياتنا اليومي، ليس سهلاً هنا على الإطلاق

الأحد ٢٤ يناير ٢٠٢١م

بعد نوم بضع ساعات، صحونا في السادسة صباحا بحماس وشغف عالي، توجهنا مباشرة إلى مركز القلب حيث سيتم إجراء عمليات القلب المفتوح لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم من تسعة أشهر إلى عشر سنوات، كانت مهمتي هي التغطية الإعلامية الازمة لذلك، بالإضافة لزيارة المرضى في العيادات والإطلاع على أحوالهم.

مررنا قبيل مغيب الشمس أثناء طريق العودة إلى الفندق، على بعض الأحياء السكنية، والتي يظهر عليها أثر العشوائية والبساطة من جهة، وكثرة وجود المخالفات من جهة أخرى، وهو ما يعكس الظروف التي تمر بها البلاد هذه الأيام.

في يوم التالي، يوم الإثنين، توجهنا لمؤسسة البصر الخيرية العالمية، وهي أحد المراكز ذات الشراكة مع المركز الإغاثي للإطلاع على العيادات وسير عمليات العيون اللازمة.

فور عودتنا لمركز القلب، التقيت بالأطفال التي تمت عمليتهم البارحة وبنجاح ولله الحمد، إنه لشعور رائع جدًا رؤية طفل صغير تمت عمليته بنجاح، يكمل من خلالها حياته دون عواقب.

السيد سالم

يحمل ابنه الذي يستعد لإجراء عملية القلب المفتوح

صور من حياة الشارع في مينة المكلا الساحلية

لدى مدينة المكلا شاطئ جميل للغاية، يطل على المحيط الهندي، ترى في شواطئها الشباب يلعبون كرة القدم مرفهين عن أنفسهم، بعيد عن ظروف الحرب الراهنة، وبكل أمان، خصوصا في هذه المدينة. الناس هنا طيبون، مبتسمون دائمًا، وفي ومزاج مستقر رغم الظروف التي قد لا توحي بذلك.

قال الشاعر عبدالقادر الكاف:

“بحر المكلا امامي والجبل من وراي
والخل في قصر عالي بالعين يتبع جفاي
اشرت له قام حيّاني ورد السلام
لو بايقع لي مرادي باسكن بحي السلام”

إن كنت من محبي الفن، فلابد وأنك تعرف أغنية "سر حبي فيك غامض… لا تعذبني وإلا، سرت وتركت المكلا لك…" والتي غناها الفنان أبو بكر سالم رحمة الله عليه، ويعود أصوله لمدينة تريم في محافظة حضرموت، وهي مدينة قريبة من المكلا. أظمن لك بأنك ستستمع لهذه الأغنية كثيرًا أثناء تواجدك في مدينة المكلا، وستلاحظ حب الشعب اليمني كثيرًا لهذه الأغنية.

تستطيع رؤية أثر الحرب في كل مكان، مبانٍ تعرضت للقصف في فترة سابقة، نوعية طعام محدودة في المتاجر، بعض القيود الأمنية والتي يصعب تصويرها، والكثير من الصفات المتأثرة بتأثير الحرب، إلا أن اليمن السعيد، والتي لها من اسمها نصيب، كانت ومازالت وستظل سعيدة بحول الله.