OtherBlogs

السفر الانفرادي، كيف ولماذا

لا تزال فكرة السفر الانفرادي غريبة بعض الشيء في ثقافتنا العربية، فنحن قوم نشأنا على الحياة الاجتماعية القوية المتينة والمستمرة بشكل يومي، الشباب يجتمعون بشكل شبه يومي، والعوائل تجتمع في عطلات نهاية الاسبوع، وثقافة السفر بين الشباب تتمحور دائمًا على أسس الصحبة والتعاون والمشاركة دائمًا، وهي أمور كلها جميلة حسنة لا بأس من وجودها على الاطلاق.

ولكن، لماذا يحرص البعض على السفر وحيدًا؟ ماذا تفعل لوحدك؟ الا تمل من الوحدة؟ مع من تجلس؟ ومع من تأكل؟ هل فقدت عقلك؟!! كلها أسألة اسمعها دائمًا منذ أن عرفت السفر، سأحاول الان شرح كل شيء.

منذ أن عرفت السفر وأنا شاب أميل للسفر الانفرادي، لا أسافر مع أصدقائي على الاطلاق، ليس للأمر سلبية في ذلك، بل هي طريقة لا أفضلها أبدا، وإن سافرت مع الاصدقاء فهي رحلات عمل على الأرجح، أو رحلات لتأدية مهمة وواجب معين، أما سفر الاستكشاف والتعلم، فهو ما أحرص عليه بأن أكون وحيدًا.

بالنسبة لي، كنت أظن بأني شاب انطوائي غير اجتماعي على الاطلاق، ولذلك أسباب لاداعي لذكرها الان، لم أكتشف عكس ذلك الا عندما بدأت السفر، في سفر الوحدة فرصة لاكتشاف الذات ومعرفة شخصية الانسان جيدًا، في سفر الوحدة، فرصة للجلوس مع الاخرين، التحدث مع الجميع، الانطلاق نحو ثقافات ومجتمعات مختلفة تماما عما اعتدنا عليه، من يسافر وحيدًا، يكتشف نفسه، ويكتشف الحياة، ويعود إنسان آخر غير الذي كان.

السفر الانفرادي

نصائح وتوجيهات لمن يرغب بالسفر وحيدًا

القراءة جيدًا

أنت هنا لوحدك، تذكر هذا جيدًا، لذا، يجب عليك القراءة بشكل مفصل والبحث وفهم أساسيات كل شيء، لا تجرؤ على الذهاب إلى الصين لأول مرة وحيدا دون أن تقرأ عنها شيئًا، ولا تفكر ان تختلط بالشعب البرازيلي دون فهم أسسهم الثقافية التي تكونت من خلالها الشخصية البرازيلية، وعلى ذلك فقس، إقرأ عن الدولة التي تنوي زيارتها، حاول فهمها، ستشعر بالحماسة وبقليل من الرهبة، ولكن، ماهي الا البداية.

الحماية أولاً

تتفاوت نسبة الامان من بلد لاخر، سواءا كنت في وسط المدينة، أم في قرية، أم بين الجبال والأودية، فتأكد من توفير القدر الكافي من الحماية والامان لك، واضعًا بعين الاعتبار أنك وحيدًا، ردد دائمًا (إن معي ربي سيهدين) واعمل بالاسباب.

يختلف تفسير معنى الخوف وانعدام الامان بالنسبة لي كثيرًا فالشيء الذي أراه طبيعي بالنسبة لي، قد لا يكون طبيعي وآمن بالنسبة لك، حدد دراجات الامان المناسبة لك، وابني عليها جيدًا، إقرأ عن مستوى الامان في كل دولة واعمل على ذلك، قد تحتاج لحمل حقيبة اسعافات أولية في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، وقد لا تحتاج إليها في روسيا مثلًا. قد تحتاج الخروج بمظهر عادي جدًا في جامايكا وهندوراس، وقد تحتاج بأن يكون مظهرك لائقاً في كوريا واليابان، المهم هو أن تكون آمناً مطمئنًا.

IMG_7057.jpeg

هوندوراس

أحد الدول التي ينبغي عليك التنبه جيدًا فيما يخص الحماية والأمان

حرية تامة 

أحد مميزات سفر الوحدة هو الحرية التامة لكل شيء، لكل شيء مرونته العالية، إن اعجبك الاقامة في بلدة ما فبإمكانك اطالة الجلوس بها واستكشاف المزيد منها، تستطيع تحديد متى تذهب وأين تذهب بمرونة عالية، لا داعي للاستعجال ابدا، فكل الوقت لك.

تعلم اللغات

وهي النصيحة الذهبية التي ساعدتني أينما ذهبت، إن كنت متحدثًا للغة الانجليزية فهذا أمر جيد، ولكن، من الافضل تعلم لغة أهل البلد الذي تنوي زيارته، أن تحاول الحديث مع أي شخص (بلغته المحلية) أفضل بكثير من تحدثك معه بلغة مشتركة لا تمت لكم بصلة، تخيل معي ماذا يحدث لو أوقفك أحد السياح الاوروبيين في شوارع مدينة الرياض وتحدث معك باللغة العربية مستفسرًا عن معلم معين، كيف ستكون ردة فعلك تجاهه؟ هذا بالضبط ما سيحدث عندما تتحدث كسائح بالنسبة لمواطن محلي وبلغته المحلية، تعلمك لأساسيات اللغات تزيل عنك الكثير من الحواجز وتوفر عليك الكثير من الجهد،

IMG_5398.jpeg

ساعدتني اللغة الصينية على فهم الصين كثيرًا

لن تكون وحيدًا

إن كنت تخشى أن تكون وحيدًا طيلة الوقت أثناء سفرك فلا تقلق، ربما تكون وحيدًا ببداية الايام الاولى، شيئًا فشيئاً ستجد نفسك تتحدث مع كائن من كان، في القطار وفي المطعم والمقهى وفي الاماكن السياحية، ستجد نفسك صديقًا للجميع، يميل الناس عادة الى الجرأة والقدوم للتحدث مع شخص غريب يرونه بحاله، بينما لا يتجرأ الناس عادة للحديث مع مجموعة كبيرة من الاصدقاء.

أتذكر جيدًا كيف كنت أسير في الاماكن العامة وحيدًا في أحد المدن الروسية، واضح للكل أني سائح غريب عن المكان، تقرب إلي مجموعة من الشباب والفتيات الروسيين للحديث معي بشكل ودي. في أحد المطاعم شمال غرب دولة كوستاريكا، كنت أتناول طعام الغداء وحدي، كانت بجانبي أسرة مكونة من أب وأم وشاب مراهق، دعوني للجلوس وتناول طعام الغداء والحديث معهم. أيضًا في الصين، الكثير يظن أن الصينيون لا يتحدثون مع أحد ولا يخالطون غيرهم، ولكن في بلادهم، أصبح لدي الكثير من الاصدقاء الصينيين فقط لاني كنت هناك وحيدًا، نصيحتي الثمينة لك هي: "أخرج من بلدك وحيدًا، وستعود بصحبة الكثير من الاصدقاء"

B592D13AEF7C0440DC583BB81C577164.jpeg

أصدقاء من روسيا

تعرفت عليهم مصادفة

فرصة لاكتشاف نفسك

عندما تسافر لوحدك ستجد الوقت الكافي لمعرفة شخصيتك جيدًا، ستستنتج الكثير من الصفات المخبئة بداخلك والتي لم تكن تتوقعها أبدًا، ربما تستنتج أنك تحب القراءة أو الكتابة أكثر من أي وقت مضى، ستفكر كثيرًا بالماضي والحاضر والمستقبل وتعيد حساباتك جيدًا، ستجلس مع شخص غريب لا تعرفه وتحكي له بكل شفافية دون أن تخشى شيء على الاطلاق، وستستمع للنصيحة من وجهة نظر مختلفة عنك تمامًا، وبالنهاية، ستعود إلي وطنك وتقول لأهلك وأصدقائك: كنت أظن أني كذا وكذا، ولكن اكتشفت بعد السفر أنني كذا كذا

IMG_7889.jpeg

قد تظن أنك وحيدًا ولكن

تجد نفسك محاطًا بالكثير من الناس

لا تسكن لوحدك

السكن وحيدًا يجعلك تشعر بالملل على الاغلب، بدلاً عن ذلك، جرب السكن في بيوت الضيافة، وهي منازل تديرها عائلة محلية تؤجر أجزاء من غرفها للسياح، ستسكن في منزل عادي وتختلط بأهل البيت وتتناول طعامهم أيضًا، بالنسبة لي، فإني أحببت بيوت الضيافة في روما والبرازيل وجواتيمالا واليابان.

يمكنك أيضًا تجربة السكن في بيوت الشباب، وهو خيار مثالي لا غنى لي عنه أبدًا، في بيوت الشباب بامكانك استئجار سرير في غرفة مشتركة تضم عدة مسافرين، أو بإمكانك النوم في غرفة خاصة بك لوحدك، مع مشاركة الاماكن العامة من مطبخ ودورات المياه والصالة الرئيسية. بيوت الشباب هي مكان مثالي للإلتقاء بالكثير من خبرات السفر المحلية والعالمية، وبأسعار اقتصادية دومًا، لن تشعر بالملل بها أبدًا.

IMG_3758.jpeg

بين جبال البامير

أسرة جميلة تسكن بين قرى جبال البامير بالقرب من الحدود مع أفغانستان؟ قضيت معهم عطلة عيد الأضحى المبارك

يمكنك الضياع قليلا

هل تخشى على نفسك من الضياع في مكان ما أثناء جولتك بين حي وآخر، أو بين معلم وأخر؟ مالذي سيحدث عندما تجهل مكانك وتضيع بين الأحياء؟ لا شيء!

أتذكر عندما زرت مدينة روما لأول مرة، وهي أول مدينة غير عربية أسافر إليها، كنت أسير في يومي الثالث وفق سلسلة من المعالم أرغب بزيارتهم، كان كل شيء جديد علي حينها، لسبب ما فقدت وجهتي التالية ووجدت نفسي تائهًا لا أعلم أين أذهب، تجولت بشكل عشوائي، دخلت وسط الأحياء وبين الأزقة، رأيت وجهًا آخر للمدينة، سكان محليون بعيدون عن المعالم السياحية، صوتوا لي بعفويتهم، جلست معهم، تحدثت إلى بعضهم، تاركًا وراء ظهري الوقت ولا أعلم أين أنا، عندما أنتهيت، سألتهم عن أقرب محطة للنقل العام، أرشدوني لباص محلي يتوقف في آخر محطة له عند محطة القطار الرئيسية، ركبت الباص، تأملت معالم المدينة بتنوعها، وجلست أستمع للغة الايطالية في الباص وأتأمل جمالها، وعند الغروب رأيت نفسي أصل المحطة الرئيسية التي من خلالها عدت إلى المنزل. تجربة ممتعة حصلت مصادفة أدركت من خلالها بأن هناك الكثير من المدن التي يكون الضياع بها ممتع!

ابتكر الاسلوب الخاص بك

مع تكرار السفر ستكتشف أن هناك أمور تحبها أكثر من الأخرى، اختر منها مايناسبك واجعل منها مزيج يجعل من رحلتك ثرية أكثر. بالنسبة لي، فإني أحب الكتابة والتصوير الفوتوغرافي وصنع الافلام الوثائقية، كما أحب ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة (هايك) والتخييم وممارسة الغوص، أحرص أثناء سفري بين فترة وأخرى ممارسة بعض من الأساليب الاضافية، والتي تشكل مزيج جميل يجعل من سفري تجربة لا تنسى

8ee3eaa8-9af1-4dab-bcc5-240c86e4d668.jpeg

رياضة الغوص

أحد أنواع الرياضة المحببة لدي

اقبل التحديات

البدايات صعبة دائمًا وهذا طبيعي، كل أمر جديد بالنسبة لك هو عبارة عن تحدي تستطيع تجاوزه، ثق بنفسك وآمن بمشاعرك، وتخلص بكل ما يقف بطريقك من عقبات، وستجد نفسك بعد حين من الزمان تتنقل من قمة لأخرى

IMG_4836.jpeg

لم تكن فكرة الجلوس في قطار لمدة اسبوع كامل تجربة سهلة، ولكن.. إن لم تواجه التحديات الان فلن تتمكن منها لاحقا

كن مؤمنا بذاتك

لا تستنقص من قيمة نفسك، ولا توهم نفسك بالخوف وعدم الجرأة ولا تختلق المزيد من الأعذار، إبدأ من الان.

أقرأ تجارب الغير

وهي أحد الوسائل التي أتبعها شخصيًا، لطالما قرأت لإبن الجبير والمقدسي وان بطوطة وماركوبولو والعبودي وغيرهم الكثير، بل حتى أقرأ مدونات الشباب باللغتي العربية والانجليزية، تجارب الغير مفيدة وملهمة دائمًا، أتمنى أن تكون مدونتي كذلك :)

حسنًا، أريد السفر وحيدًا، أين أسافر؟

إبدأ بالمدينة أو الدولة التي تراها قريبة إلى قلبك، كل شخص لديه قائمة من الامنيات والاهتمامات، ابحث عن امنياتك واهتماماتك جيدًا، إن كنت تحب التاريخ، فأي تاريخ يهمك؟ العصر الاندلسي ام الصيني ام العصور اليابانية أم فترة الاتحاد السوفيتي؟ أو لك اهتمامات في حضارات قديمة مثل حضارة المايا مثلاً، اختر حضارة تعجبك، ومن ثم اقرأ عنها، اختر دولة تمثلها الان، وهكذا تكون البداية.

إن كنت مهتمًا بالعلوم الاسلامية أو التقنية او الرقص او الفنون او غيره من الاهتمامات الاخرى، اسلك السبيل نفسه، وسينتهي بك الامر محملاً بالكثير من الاماني والدول التي ترغب بزيارتها، اختر منها الاقرب لك نفسيًا وماديا، وانطلق

وأخيرًا

إن لم تحب السفر وحيدًا لعدة مرات متتالية… تزوج