أطعمة تركستانية
البداية..
من يعرفني جيدًا يدرك بأني شاب لا أتناول الكثير من أصناف الطعام، جميع من حولي يعلمون بأني لا أتمتع بخيارات مرنة فيما أحب تناوله، كنت دائمًا ما أعود إلى منزلي بعد أي رحلة سفر، أعود نحيلًا ناقص الوزن، لذا، فيجب علي أن أكون آخر من يتحدث عن الطعام!
لكن الأمر يختلف كثيرًا هذه المرة، تذوقت الطعام التركستاني لأول مرة في روسيا صيف ٢٠١٧م، كان ذلك عندما التقيت بشباب من طاجيكستان يقيمون في موسكو، تذوقت أصناف أخرى في كل من كازان وبشكيريا ومدينة أركوتسك في سيبيريا، وهو ما جعلني أعجب جدا بطعام دول آسيا الوسطى، على الرغم من أنني لم أزر أيًا منها آنذاك.
سافرت إلى أوزباكستان أول مرة في خريف ٢٠١٨م، هنا كانت لي تجربة أولى مع الطعام في يومي الأول في طشقند، أدركت مدى لذة الطعام في بلاد آسيا الوسطى، كنت أتناول الطعام بطريقة لم آلفها على نفسي لا في سفري ولا في منزلي، في تلك الرحلة سافرت إلي أوزباكستان وجمهورية باكستان، كانت كلتا الدولتين تتميز بما لديها من أصناف طعام رائعة (لعلي أتحدث عن الطعام الباكستاني في مدونة أخرى لاحقًا) أذكر حينها أرسلت لي والدتي قائلة: "أنا سعيدة ومطمئنة بأنك تأكل كل يوم طعامًا جيدًا".
كل أم تعرف ابنها، مهما حاولت الاختباء فلن أستطيع الاختباء برغبتي أو عدم شهيتي للطعام، لذا، عندما عاودت الزيارة إلى أوزباكستان بصحبة والدتي في خريف عام ٢٠١٩م، كنت أتناول الطعام بشراهة أثارت استغراب والدتي كثيرًا، كنت أكمل طبقي كاملا على الرغم من كثرة الدهون (وأنا الذي أشكتي كثيرًا من كثرة الدهون) أخبرتني أمي حينها أن الدهون التي نأكلها هنا في أوزباكستان دهون صحية تخرج من اللحم الذي يتغذى على نباتات وأعشاب نقية بعكس ما لدينا، وهو ما يفسر عدم استيائي من كثرة الدهون آنذاك.
كانت هذه مقدمة سريعة .
تناولت الأطعمة التركستانية في كل من أوزباكستان وطاجيكستان وتركستان الشرقية (التي تعرف الان بشنجيانج)، وهي أطعمة تتشابه وتختلف باختلاف الموقع الجغرافي وثقافة العرق، ما ستقرأه في هذه المدونة ينطبق على أوزباكستان وعلى بقية دول آسيا الوسطى، على وجه العموم لا التخصيص، كما أن المساحة لا تسعني لذكر جميع الأطعمة، لذا سأذكر المهم والمهم منها فقط
تاريخ الطعام التركستاني
كشاب تنحدر أصوله من منطقة الحجاز في المملكة العربية السعودية، فقد نشأت نشأة متنوعة ثقافيًا، وهو أمر طبيعي في مكة والمدينة وجدة، كان التنوع الثقافي ينعكس على أمور كثيرة، حتى الطعام الذي يعرف محليًا بالمأكولات الحجازية، فهي بمعظمها أطعمة أتت من مهاجرين من أنحاء مختلفة من العالم الاسلامي، من ظمنهم سكان آسيا الوسطى، كانوا قد بدأو بالتوافد إلى المملكة بداية من القرن الثامن عشر الميلادي، وانتهاءا بفترة الحكم السوفييتي.، فضلا عن أن مدينة جدة كانت إحدى المدن التي ينتهي بها طريق الحرير، وهو الطريق الذي يمر من خلاله على عدة مدن مهمة في آسيا الوسطى
اختلطنا جميعا ببعضنا، اختلاط ثقافي ومجتمعي، وهو ما جعلنا نستأنس طعامهم ونظيف عليه تعديلات بسيطة تناسب ذائقتنا الحالية، على سبيل المثال، في تركستان ستجد بعض أصناف الأطعمة مليئة بالشحم والبصل، وهو ما استبدلته بعض العوائل هنا بمكوناتها الخاصة التي تناسب ذائقتها.
ماذا تأكل في دول تركستان؟
البلوف (بلاو)
يسمونه في أوزباكستان (بلوف) أو (بلاو) وفي طاجيكستان يدعى (أوش) وهو مصنف رسميًا كطعام محلي وطني في أوزباكستان. يعرف في منطقتنا الخليجية بإسم الأرز البخاري، ولو أنني لا أرى أي نسبة تشابه بين الأرز البخاري في السعودية، وبين أرز البلوف في آسيا الوسطى.
تتكون وجبة البلوف من أرز ولحم غنم طري وطازج، بالإضافة لمزيج من الجزر والبليلة والزبيب والبيض المسلوق، وفي بعض الأحيان، يتم وضع قطعة صغيرة من لحم الخيل. كل منطقة من مناطق أوزباكستان تطهو وجبة البلوف بطريقة مختلفة، بالنسبة لي فإني أفضل تناول البلوف في العاصمة طشقند وفي مدينة سمرقند وبخارى.
يتم تناول أرز البلوف غالبًا في وجبة الغداء، وفي معظم المدن، وبسبب أن اللحم طازج وبكمية محدودة، فإنه يتم تقديم وجبة البلوف في نطاق وقت محدد يتراوح غالبا من الحادي عشرة ظهرً وحتى الثانية بعد الظهر، وفي بعض المدن يتم تقديم البلوف الى الساعة الرابعة عصرًا
يوجد في مدينة طشقند ما يسمى بمركز البلوف (أوش مركزي)، وهي مطاعم كبيرة جدًا تقدم البلوف في فترة الظهيرة، وهو مكان لابد من زيارته وتجربة تناول طعام الغداء في يومك الأول في طشقند.
عند تناولك طعام البلوف لاتنسى أن تتناول معها سلطة أتشيتشوك (Achichuk) وهي سلطة مكونة من الطماطم والبصل مع إمكانية إضافة القليل من الفلفل الحار.
لمعرفة كيفية طهو البلوف بإمكانك الإطلاع على المدونة التالي الخاصة بـ (حنين قوماوي)
منتو
نسميه في المنطقة الغربية في المملكة العربية السعودية (منتو) ويسمونه في الصين (جاوتز) أو (وانتون) وفي منغوليا يدعى (بووزء) وهي عبارة عن عجينة طرية تطبخ بواسطة البخار في قدر مكتوم، وتختلف حشوة عجينة المنتي من بلد لآخر، في دول آسيا الوسطى فإنهم يحشون عجينة المنتي بالكثير من الشحم وببعض اللحم، أو العكس أحيانا، بإمكانك تعديل حشوة المنتو بالطريقة التي تناسبك، كحال الأمر تماماً مع حشوة السمبوسة.
تشوتشوارا
يسمى في بعض دول الشام (ششبرك) وهو عبارة عن حساء يوضع بوسطه قطع صغيرة جدًا من المنتي (منتو) باختلاف الحشوة، فهي تحتوي على اللحم المفروم بعكس المنتو، يتم تقديم التشوتشوارا مع بعض الشبت، كما يتم خلط الحساء بالعادة مع قليل من اللبن.
سومسا
وهي مشابهة لوجبة المنتي من ناحية الحشوة الداخلية، الا انه تحتوي على عجينة مختلفة، بالاضافة بأنها تطبخ في وسط تنور - فرن صغير، تجدها محشية إما باللحم او البطاطا أو القرع أحيانا.
شاشليك
وهي ثاني أهم وجبة رئيسية يجدر بك تناولها بعد وجبة البلوف، شاشليك، كما تسمى باللغة الأوزبكية، وهي عبارة مجموعة متنوعة من اللحوم المشوية، بإمكانك الإختيار بين لحم الغنم ولحم البقر أو كبدة الغنم، يتم تناولها عادة مع البصل.
لغمن - الطريقة الأوزبكية
وهي أحد الوجبات التي لاقت انتشارًا كبيرًا ليس في دول آسيا الوسطى فقط، بل حتى في جمهورية الصين الشعبية، اللغمن هو عبارة عن حساء يطبخ مع الطماطم والبطاطس وبعض من الخضروات واللحم، بالإضافة لوجود مكونها الرئيسي وهو المعكرونة الطازجة، وهي وجبة مناسبة جدًا إن كنت تريد التنوع في اختيار وجباتك.
لغمن - الطريقة الأويغورية
تصنف أحد أنواع اللغمن التي تعد على الطريقة الأويغورية، تجدها في منطقة تركستان الشرقية (شنجيانج) الواقعة حاليًا في شمال غرب جمهورية الصين الشعبية، وهي معكرونة تعد يدويًا عند طلبك، طازجة، وحارة جدًا، إن كنت لا تحب تناول المأكولات الحارة فتجنب تناول هذه الوجبة.
شُربة
تنطق تمامًا كما كتبت (شُربة) ، وفي أوزباكستان تنطق (شوروة) وهو حساء يوضع معه قطعة من لحم الضأن (في طاجيكستان كانوا يضعون لحم حيوان الياك المنتشر في آسيا الوسطى ومنغوليا) بالإضافة لقطعتين كبيرتين من البطاطا المسلوقة والجزر المسلوق. يتم تزيين الشربة بالشبت أو البقدونس، كنت أتناول هذه الوجبة عادة قبل البدء بالوجبة الرئيسية، وفي شهر رمضان المبارك عند الإفطار، كانوا يشربونها بعد تناول التمر مباشرة وقبل الوجبة الرئيسية، حتى تمدهم بالطاقة اللازمة، وهي مفيدة جدًا في الأجواء الباردة.
ديملما
وهي مجموعة من الخضروات تحتوي على نسبة عالية من البطاطا والجزر واللحم تطهى جميعًا بطريقة الـ (إيدام - المرق - الصالونة)، بالاضافة لبعض الإضافات البسيطة (في طاجيكستان كان، ينثرون فوقها قطع صغيرة من البصل الخضر)، وتؤكل عادة بواسطة الخبز.
شيفت أوشي - طعام أهل خيوه
وهو طعام لا تراه إلا في مدينة خيوه في أقصى شمال غرب أوزباكستان (خوارزم)، يتكون من المعكرونة الخضراء، تخلط عادة بالزبادي البارد، ومن ثم مزيج من إيدام البطاطا واللحم والجزر، يتناولونه باردًا في فصل الصيف كي يخفف من حرارة أجوائهم.
غوزلما
وهي أحد المعجنات المشابهة للمنتي والسومسا، إلا أنها تكون كبيرة الحجم، نصف دائرية، وتقلى في الزيت، تجدها بكثيرة في مدينة خيوة في منطقة خوارزم أيضًا
سمك البحيرة
تجده في مدينة خيوة فقط، وهو سمك يصطادونه من بحيرة تدعى بحيرة أيدار، وهي بحيرة مالحة جعلت من ملوحة مياهها طعمًا تتميز به أسماكها
الخبز
وهو حاضر دائما في جميع الوجبات على مدار السنة، يصنعونه بأنفسهم ويدوم أشهر طويلة، ويؤكل مع جميع الأصناف التي ذكرتها أعلاه. لكل منطقة خبزها الخاص، يحتوي على شكل وتصميم يختلف على المنطقة الأخرى، الخبز هو معيار ضيافة وكرم واحترام في جميع دول آسيا الوسطى، ستراه دائمًا على كل مائدة.
المكسرات
وهي مميزة وذات جودة عالية، خصوصًا في مدينة بخارى، توجد بعض من المكسرات التي تشتهر في كل منطقة عن الأخرى، جرب تناول المشمش المجفف في دوشنبه وسمرقند، وجرب شراء الزبيب الأسود وتناوله مع ثمرة الجوز، فهما مزيج ثنائي جيد، يوجد في كل مدينة سوق مركز، يبيعون ما لذ وطاب من المكسرات والحلوى أيضًا.
فطور أوزبكي
أينما كان مقر إقامتك، ستجد طعامًا افطارا شهيًا متنوعا، وجبة الافطار أساسية دائمًا، كيف وان كانت مميزة
الفاكهة
تشتهر أوزباكستان بالرمان والشمام والبطيخ والعنب أكثر من غيرها، والكثير من الفواكه الأخرى التي تصدرها خارج الدولة، طعمها حلو المذاق ومياهها كثيرة، أما في طاجيكستان فلن تجد أفضل من المشمش والفرولة والكرز والتوت، لم أتذوق في حياتي فرولة وكرز وتوت حالي المذاق مثلما تذوقته في طاجيكستان، ولم أجد رمانًا آفضل من الرمان في أوزباكستان.
شراب الكمبوت
وهو عصير طبيعي يصنع من الفواكه المجففة حسب وفرة الفاكهة في كل منطقة، بإمكانك شرب كمبوت التفاح والتوت والمشمش وغيره، لذيذ وحالي المذاق دون أي اضافات.
هل أنت نباتي؟
إن اللحم هو طريقة الغذاء الأولى والأساسية في دول آسيا الوسطى عمومًا، إن كنت ممن لا يأكلون اللحم لسبب ما، فقد تواجه بعض الصعوبات في إختيار الوجبات، في المدن الكبيرة (خصوصاً في أوزباكستان) يمكنك الحصول على وجبة نباتية في مطعم فاخر يستطيع تعديل محتويات الطعام من أجلك، يمكنك على سبيل المثال طلب حساء اللغمن أو الدمليما بدون لحم، أو طلب حشي السومسا بالبطاطا عوضاً عن اللحم كذلك، ولكن من الممكن جدًا أن لا تجد كل المطاعم تفعل ذلك.
ماذا عن الأطعمة العالمية؟
إن كنت ممن يبحث عن المطاعم الشهيرة في كل دولة تزورها (مثل كنتاكي وماكدونالدز وبيتزا هت وغيرهم) فلن تجدهم هنا وإن وجدت فهي محدودة، على الرغم من أن كل شيء هنا محلي الصنع (وهذا ما يميزه) الا أنه وبسبب وجود عدد كبير من الجالية الكورية وجاليات من جنسيات متعددة، فستلاحظ وجود المطاعم الكورية واليابانية والصينية وغيرها..
قالوا عن الطعام التركستاني
قيل عن الشربة التركستانية:
أما عن أرز البلوف، فقد وصفه الرحالة العبودي عندما تناوله في مدينة خوجند قائلًا:
النهاية..
بالنهاية، لابد أنك قد لاحظت -أيا كان مقر اقامتك- أنك ربما تعرف أو قد تناولت إحدى اصناف هذه الأطعمة، سواءا في السعودية أو في بلاد الشام وتركيا، وهو كله يعود لتاريخ عظيم تكون في عصور آسيا الوسطى.
~~رحمات