خالد صديق، مصور، رحالة

أمريكا اللاتينية

بوليفيا، أكبر منطقة ملحية في العالم

محطة الباصات القديمة في بوتوسي

محطة الباصات القديمة في بوتوسي

في صباح يوم السبت الموافق 15 أغسطس 2015 وبعد زيارة عدة مدن في بوليفيا، قمت بتجربة جديدة لإستكشاف أكبر الأراضي الملحية في أمريكا اللاتينية، بل، الأكبر مساحة على مستوى العالم، هذا التقرير المبسط سيوضح كيفية زيارتي من مدينة بوتوسي إلى إيوني، الأراضي الملحية

وصلت إلى محطة الباصات القديمة في مدينة بوتوسي، والتي تعد ثالث أعلى مدينة في العالم، كان مبنى المحطة قديم متهالك، ذو ألوان باهتة، عندما توقفت سيارة الأجرة كنت أسمع العديد من النسوة الواقفات على الطريق العام يرددن بصوت موسيقي جميل “إيوونيييي.. إيوونيييي” يبدو أن هذه المحطة مخصصة للرحلات إلى إيوني فقط، اشتريت تذكرة الباص بمبلغ ٤٠ بوليفي من مكتب يدعى Diana Tours مازال هناك أكثر من أربعون دقيقة حتى موعد الإنطلاق.

خرجت من المحطة أبحث عن ما استطيع تناوله، مضت أكثر من ساعاتان منذ استيقاضي، الأمر الذي جعلني أشعر بالجوع الشديد المصاحب ببعض الخوف من الشعور بالدوار نتيجة لنقص السكريات وارتفاعي العالي عن سطح البحر، إذ كنت على ارتفاع يتجاوز 3500م عن سطح البحر، كنت أبحث يمنة ويسرة عما أستيطع تناوله، لم أجد سوى العديد من الأكشاك المتحركة بطرف الطريق يعملن بها العديد من النساء البوليفيات ذات اللبساس التقليدي، جميعهن يبعن الطعام نفسه، كُنّ النساء يعجُنّ الخبز ويطخبنه بطريقة تقليدية، أما الجبن، فكنت أرى القطع فوق بعضها البعض بطريقة مكشوفة وبوسائل حفظ ليست صحية على الإطلاق، لم يكن هناك طعام آخر!

ذهبت إلى إحداهن، فعلت كما رأيت غيري يفعل، جلست بهدوء دون أن أعلم ما سأقول، خاطبتني الإمرأة العجوز بكلمات لم أفهمها، كل ما قلته هو “كيسوو” أي “جبن” لم يستغرق الوقت طويلاً حتى تفهم الإمرأة أنني لا أتحدث الإسبانية، ناولتني قطعتين من الخبز وقطعة متوسطة الحجم من الجبن على صحن صغير، بالإضافة إلى كوب من القهوة السوداء لم يخطر ببالي أن مكاناً كهذا يستطيع تقديم القهوة! لا أزال أتذكر المنظر العام للمكان، لم أرى شيئاً نظيفاً حينها، أو على أقل تقدير، لم أرى شيئاً يُحفظ بعناية، فكل شيء مكشوف هنا، بدأت بالتناول ببعض التردد، إلا أن الطعام كان لذيذاً، تناولت كل شيء غير آبه بمستوى النظافة، أقنعت نفسي حينها بأنني أكملت أكثر من شهر في الأراضي اللاتينية، ألا يجدر بي أن أكون أكتسبت بعض المناعة في هذه البلاد؟

انطلق الباص في تمام الحادي عشر صباحاً، كان الباص مليءٌ بأكمله، لم تكن المسافة بعيدة بقدر ما كان طريق النزول من الجبال العالية صعباً وملتوياً جداً، كانت المناظر العامة لا تدل إلا على أن هؤلاء البشر يعيشون بعيداً عن كل ما يجري في هذه الأرض، لم أكن أرى إلا المناظر المسطحة والجبال الحمراء فقط، والعديد العديد من القرى الصغيرة المنقطعة ذي الحياة البائسة البعيدة عن كل شيء، والتي كان يتكرر توقف الباص بها لنزول بعض الركاب.

عند الإقتراب من إيوني بدأت ملامح الأرض اللامعة بالظهور بشكل واضح، استغرق الطريق أربع ساعات لأصل أخيراً إلى الأراضي الملحية، سالار دي إيوني.

وصلت إلى إيوني في تمام الثالثة عصراً، كان المنظر العام للمدينة يوحي بالهدوء القاتل والبساطة المعتادة، لم تكن معظم الشوارع مسفلتة خصوصاً عند مدخل المدينة، كانت هناك سيارات أجرة منتشرة بالمكان وبشكل منظم ومرتب، ذهبت إلى أحدهم ليقلني إلى الأرض المليحة حيث سأقيم هناك، كنت أعلم مسبقاً ببعد المسافة ولم أستطع الإعتراض على تكلفة الأجرة البالغة ٢٥٠ بوليفي، استمر الطريق حوالي الأربعون دقيقة لم أرى فيها شيئاً يرد ببصري، المنظر العام ذو المسطح الأبيض على مد البصر هو السائد في المكان، وصلت إلى فندق يدعى Hotel De Sal Luna Salada وهو فندق مبني بأكمله من الملح والملح فقط، القليل من الراحة، ومن ثم جولة بواسطة الدراجة في الأراضي الملحية المتباعدة الأطراف إلى غروب الشمس.

كان الجو شديد البرودة في المساء، وبسبب بعد المنطقة عن أي مصدر ضوئي كانت النجوم في حلة رائعة جداً، على الرغم من برودة الجو والتي كانت حينها ٥ درجات تحت الصفر، إلا أنني قضيت وقتاً طويلاً ألتقط عدة صور للمجرة إلى وقت متأخر من الليل، ويا لها من مشاهد لا توصف، أنهيت بذلك أخر يوم لي في بوليفيا.