خالد صديق، مصور، رحالة

أمريكا اللاتينية

أوشوايا – نهاية العالم

موقع المدينة كما يبدو في النقطة الزرقاء

موقع المدينة كما يبدو في النقطة الزرقاء

أوشوايا، المدينة الأرجنتينية الواقعة في أسفل الكرة الأرضية والتي تسمى نهاية العالم، جولة بسيطة في هذه المدينة المتجمدة، سيناقش هذا التقرير المختصر زيارتي لنهاية العالم حيث البرودة القارسة.

أقلعت طائرة الخطوط الأرجنتينية في تمام التاسعة وعشر دقائق صباحا في رحلة تستمر ٣ ساعات متوجهة من بوينس آيرس إلى أوشوايا، نهاية العالم، كانت الطائرة ذو طراز – بوينج ٧٧٧ – الكبيرة، مما يعني مقاعد اوسع وازعاجا أقل، كانت المقاعد التي بجانبي خالية، لم انتظر إلى أن ترتفع الطائرة حتى خلدت إلى النوم مباشرة، استيقظت من نومي بعد حوالي الساعتان وربع نظر من النافذة وأجد أمامي منظرا مهولاً رائعاً، الثلوج تغطي الجبال، كان الجميع قد أخبرني خلال تواجدي في بوينس آيرس بضرورة التجهز قبل الذهاب إلى أوشوايا، فالجو بارد جدا هناك، وبالطبع، كنت ارتدي ما يكفي من الملابس الواقية ضد البرد.

صورة لي بجانب معلم المدينة الأبرز

صورة لي بجانب معلم المدينة الأبرز

كان مطار المدينة صغير هادئ يعكس هدوء المدينة، في الحقيقة، جميع مطارات مدن الأرجنتين كانت رائعة وحديثة ومتشابهة في التصاميم، كل شيء في الأرجنتين يوضح اختلافا تاما عن بقية الدول اللاتينية، سواءا من حيث المطارات، الشعب، أو حتى الثقافة العامة للبلاد. استلمت حقيبة الترحال وتوجهت خارج المطار متأملا المنظر والذي كنت أراه لأول مرة في حياتي، البياض يكسو المكان، الكل يسير بحذر خشية الإنز ق، الجو بارد مشمس، كنت أعلم قبل وصولي أن هذه المدينة لا تحتوي على أي وسائل للمواصلات، سيارات اجرة ولا باصات نقل عام، لم يكن لي خيارا سوى السير إلى وسط المدينة في هذا الجو البارد.

لم يكن الطريق مناسبا للمشي، فقد كانت الأرض زلقة جدا، الا أنني كنت استمتع بذلك كثيراً، كنت اتوقف كثيرا لتصوير كل ما اراه من بحيرات متجمدة، كنت أرى اثار لخطوات مشي حديثة أمامي لشخص اخر يسير أيضا، يبدو أن الجميع معتاد على السير إلى مدخل المدينة هكذا، سرت مسافة أربعون دقيقة  إلى أن رأيت مدخل المدينة أمامي، انها فتاة، تحمل حقيبة ترحال مثلي، كانت هي صاحبة الخطوات التي سبقتني في السير، كانت واقفة عند مدخل المدينة تريد التقاط صورة عند العلامة الشهيرة لنهاية العالم، لم تكن تتحدث الإنجليزية أبدا ولم استطع التواصل معها الا بكلمات بسيطة، بادرتها بالتصوير ومن ثم سرنا سويا، لا أعلم كيف كنا نتحدث ولكن استطعت فهم انها ذاهبة إلى بيوت للشباب ولكنها تعلم أين، اريتها نسخة من حجز بيوت الشباب الذي سأسكن فيه، فهمت حينها بانها ستذهب معي إلى نفس المكان، ورب صدفة خير من ألف ميعاد.

كنا نسير اغلب الطريق ونحن صامتون، فلا مجال للحديث سوى الضحك دون سبب، كان الحال محرجا لي بعض الشيء، لم يمض كثيرا من الوقت إلى أن توقفت بجانبنا سيارة صغيرة متهالكة بها فتاتان عرضتا علينا التوصيل، رحبنا بالطبع، كانت السيارة صغيرة جدا لا تتسع لنا، ولكن كان الخيار مناسبا بالنسبة لي بدلا من السير مسافة اطول.

خرجت بعد الصلاة والراحة لأخذ جولة قصيرة أتناول خلالها طعام الغداء، كانت السيارة مغطاة بكوم هائل من الثلج، كنت أتأمل حال هذه الثلوج وأتأمل حالي أيضا، فقبل بضعة أسابيع كنت في وسط أنهار الأمازون الحارة الإستوائية الممطرة، ثم إلى أجواء جبال الأنديز الباردة في البيرو، تلاها البقعة الملحية الكبيرة في بوليفيا، والآن، في نهاية الكرة الأرضية حيث الثلج والثلج فقط، في وقت كانت الرياض في أعلى درجات الحرارة صيفا!

كانت الخطة في صباح اليوم التالي الخروج لزيارة الحديقة الوطنية Parque Nacional Tierra del Fuego وصلت إلى محطة الباصات التي تبعد مسافة السير عشر دقائق عن بيوت الشباب، كانت قيمة التذكرة ٣٠٠ بيسو ارجنتيني للذهاب والعودة بنفس اليوم، انطلق الباص في تمام العاشرة صباحا متوجها إلى الحديقة الوطنية، رافقني في الرحلة شابان تعرفت عليهما في الطريق كانا رفقائي طيلة الرحلة، شد انتباهي أحدهما، عندما سألته عن موطنه لم يستطع الاجابة سريعا، فقد لزمه التفصيل قائلا : “لقد ولدت في مملكة البحرين لأب جنوب افريقي، وام نيوزلندية، لذا فأنا متعدد الجنسيات!”

كان الجو في الحديقة متجمد جدا، لم أكن أستطيع الحراك دون قفاز في يدي الا أنني أحب ارتداء القفازات أبدا، لم يكن لمشي سهلا أيضا، ففي بعض المرات كانت الثلوج تغطي نصف ساقي، كانت الحديقة تحتوي على عدة مسارات للمشي الا أن اغلبها كان مغلقاً بسبب الثلوج، لذا فقد سرنا في رحلة ليست بطويلة بين الممرات الثلجية استمرت خمس ساعات فقط، إلى أن عدنا مرة أخرى إلى أوشوايا قبل مغيب الشمس.