كولومبيا، سان خيل
كولومبيا، الدولة المعروفة بإنعدام الأمن وكثرة الجرائم، أو على أقل تقدير، كما يخيل لدى الجميع، الدولة الشعبية المرحة الشهيرة بمزارع القهوة ومدنها التاريخية، أخترت لدى زيارتي لها أن أقضي في أحد أهم وأجمل بلدانها الصغيرة “سان خيل”.
في يوم الجمعة، الثامن من شهر شوال للعام ١٤٣٦هـ، الموافق، الرابع والعشرون من شهر يوليو لعام ٢٠١٥م، إنطلقت مساءاً من العاصمة الكولومبية بوغوتا، متوجهاً إلى مدينة سان هيل في رحلة تستمر قرابة الست ساعات ونصف، انطلق الباص في تمام الحادي عشر مساءاً ليصل في رحلة ليلية متعبة قضيتها نائماً، لأصل في تمام الخامسة والنصف في جو بارد هادىء إلى هذه البلدة الجميلة.
تعود عصور منطقة سان خيل إلى ما قبل كولومبوس، عندما يسكنها الهنود الأصليين قبل يقضى عليهم من قبل الغزاة الإسبان، تأسست المدينة عام ١٦٨٩م و مازالت آثار المباني الحجرية على ما هي عليه حتى الآن.
تعتبر سان خيل منطقة سياحية مناسبة جداً لمن يحب الطيران الشراعي، ركوب الشلالات والمشي لمسافات طويلة، وبالطبع، الإستمتاع بهدوء وجمال المدن الصغيرة بعيداً عن الضوضاء. بالإستعانة بالخريطة، وفي طريقي إلى بيوت الشباب، وعلى رغم من الوقت المبكر، مررت على سوق في البلدة مكتض الحركة، كان الجميع يعمل بهمة ونشاط مستقبلين الفاكهة والخضار الطازجة من المزارع، كنت أنظر لجميع الأصناف اللذيذة وأنا أتذكر بأنني لم آكل جيداً حينها بالأمس بسبب ما حصل لي في الأراضي الفنزويلية، ولم أنم جيداً بالطبع.
وصلت إلى بيوت للشباب يدعى Bacaregua Hostel استقبلني الموظف الذي كان على علم بوصولي في هذا الوقت، أخذني إلى غرفتي وطلب مني الراحة قليلاً حتى يستقيظ الجميع لأقوم بعمل إجراءات تسجيل الدخول، ما لفت إنتباهي في بيوت الشباب هذا، ليست الحديقة الجميلة الصغيرة في المنتصف كالطراز الأندلسي، بل أسماء الغرف الموجودة في البيت، كانت جميع الغرفة تسمى بأسماء مدن شهيرة، كان اسم غرفتي المشتركة بكين، ارتحت قليلاً حتى استيقض الجميع، ومن ثم بدأت التعرف على كل سكان هذا البيت
خلال تعرفي على جميع النزلاء إلتقيت حينها بالآنسة “آنا” وهي فتاة فرنسية تقيم في أستراليا، وهي في رحلة لاتينية لمدة ستة أشهر، كان قد مضى حتي ذلك الوقت شهرين فقط على رحلتها، وبالطبع، كعادة كل السواح، كان لدى آنا عدة أسئلة حول ما يخص المملكة العربية السعودية، كنت مرحباً بالطبع، مستغلاً بذلك فرصة تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، هناك فتاة أخرى إسمها مارتينا، وهي فتاة سويسرية تقوم برحلة لاتينة ليس لها مدة محددة، فهي تقرر العودة متى ما شعرت الرغبة بذلك، كان لها شهر واحداً فقط منذ بداية الرحلة، إستمر حديثنا طويلاً حتى التاسعة والربع، أخبراني كل من آنا و مارتينا أنهما ذاهبان إلى منطقة تاريخية تدعى “باريتشارا” للتجول قليلاً ومن ثم السير في رحلة جبلية تستمر قرابة الثلاث ساعات ونصف لمسافة تقارب ٢٠ كم، كنت أنوي الذهاب إلى نفس المنطقة، إلا أنني لم أكن أنوي السير في الطريق الجبلي، وافقت مرحباً بالطبع، أخبراني بأنهما سيذهبان برفقة فتاتان أخريات يقمن في بيوت شباب آخر، لم أمانع ذلك بالطبع.
خرجنا بعد الإفطار إلى محطة الباصات المتواضعة جداً، لألتقي بالآنسة “لين” فرنسية أيضاً، والآنسة “آنالين” ألمانية الجنسية، لنذهب جميعاً بالباص إلى باريتشارا، حين وصلنا إلى باريتشارا هالنا جداً ما رأيناه، كانت البلدة رائعة بما تعنية الكلمة، حيث البيوت حجرية ذو أوان زاهية، تقع البلدة على متدرجات ذو مرتفعات عالية ومنخفضة، ذهبنا إلى مقهى صغير لتناول الطعام الغداء، شربت خلالها أول قهوة كولومبية، لم أتناول قهوة جيدة منذ دخولي الأراضي اللاتينية حتى وصلت إلى كولومبيا، جلسنا نتحدث (أنا وصديقاتي الأربع) حول عدة أمور تخص السفر والترحال بجمع أنواعه، خلال تناولنا طعام الغداء، كان هناك رجل كولومبي يعزف الأغاني الكولومبية في جو شعبي بسيط و رائع، قمنا بعد الغداء بالسير بين ممرات البلدة الجميلة، كانت آنا شغوفة بالتصوير، بينما الفتيات الأخريات كانت لهن إهتمامات بالتسوق فقط، ذهبنا، آنا و أنا للمشي سوياً والتصوير هنا وهناك ومشاركة بعض من الخبرات الفنية في ذات المجال بعد حوالي ساعتين من المشي المتواصل والتصوير، إنضممن إلينا الفتيات الأخريات لنبدأ بعدها رحلة السير الطويلة، كنت أسير مع آنا ببطئ بسبب توقفنا المستمر للتصوير، كانت هذه الرحلة القصير بمثابة تدريب بسيط بالنسبة لما سأفعله في البيرو، قبيل غروب الشمس، وصلنا إلى قرية صغيرة شبه منهكين، لنعود بعد ذلك إلى سان هيل عند الغروب.
في صباح اليوم التالي، ذهبنا جميعاً -ما عدا مارتينا- لممارسة رياضة الطيران المظلي، كانت مارتينا تخاف قليلاً من الأماكن المرتفعة، لذا لم تفضل الذهاب معنا، خرجنا لتناول طعام الإفطار في مخبز مجاور، لنذهب بعد ذلك بواسطة مكتب منظم للرحلات في رحلة إستمرت حوالي أربعون دقيقة إلى منطقة جبلية يبلغ إرتفاعها حوالي ١،٦٠٠م فوق سطح البحر، أحسست بالغثيان وضيق التنفس قليلاً نتيجة لنقص الأكسجين وذلك بسبب الإرتفاع الذي لم أعتد عليه، كل ما عليك فعله في حال الإحساس بالغثيان وضيق التنفس نتيجة نقص الأكسجين هو شرب الماء الكثير من الماء والتنفس بشكل هادئ و عميق وعدم بذل أي مجهود حتى تعتاد على ذلك، كنت قد مارست رياضة الطيران المظلي قبل سنوات في سويسرا، إلا أن الفرق هذه المرة كان في الإرتفاع، كان الإرتفاع عالٍ بعض الشيء، مما يعني نسبة رياح عالية وبالتالي طيران خفيف ذو سرعة عالية مصحوب بغثيان وقليل من عدم الإتزان.
قررت فجأة الطيران بكاميرتي، ربطتها حول عنقي جيداً، كان المنظر الجبلي من الأعلى مبهراً للغاية، كنت أتأمل هذه البلدة الهادئة الرائعة التي مازالت ذا سمعة سيئة في عالمنا العربي، اعتاد صدري على التنفس بشكل طبيعي بعد بضع ساعات، قضينا كامل النهار في نفس المنطقة، حتى عدنا مساءاً إلى سان هيل لنطهو وتناول عشاءاً جميعاً.