أمريكا اللاتينية

بنما

هبطت إلى مطار بنما الدولي في الثاني من يوليو ٢٠١٦م قادماً من ميامي، الولايات المتحدة الأمريكية في رحلة استغرقت حوالي ٣ ساعات ونصف، كنت اعلم مسبقاً أن عملة الدولة المحلية تدعى “بالبوا” إلا أنتي تفاجئت عندما أخبرني مكتب تحويل العملات بأنهم يعتمدون الدولار الأمريكي كعملة محلية للبلاد، فلا حاجة لتحويل للعملة ان كنت تملك دولاراً امريكاً.

استخرجت شريحة اتصال بقيمة ٣٠ دولار تحتوي على ١ جيجا بايت من الإنترنت، واتس اب لا محدود ومكالمات داخلية مجانية، أتممت بعدها نفس الإجراءات المعتادة حتى خرجت من المطار باحثاً عن وسيلة مناسبة تقلني إلى داخل المدينة.

أول شيء لفت انتباهي لدى خروجي من المطار هو سيارات الأجرة الرسمية، فهذه أول مرة أرى فيها بأن يتم الجمع بين أكثر من راكب في نفس السيارة، رفضت الركوب مع أحدهم بدايةً إلى أن استسلمت بنهاية الأمر راكباً مع أحد العوائل المحلية.

كان انطباعي الأولي عن هذه الدولة إيجابي جداً، فقد سمعت عنها كثيراً بالسمعة الطيبة، خيل لي بداية انها مدينة عصرية متطورة جداً إلى أن رأيت عكس ذلك، تفاجئت بداية عند خروجي من المطار بوفرة الأراضي الخضراء والمناظر الطبيعية، ولكن، سرعان ما تلاشت هذه المناظر بالمباني الحديثة والناطحات التي أصبحت ميزة كل الدول التي تريد أن تكون في مصاف الدول المتقدمة. كان هناك بعض التناقض بالنسبة لي، ففي أرض صغيرة تجتمع كل من الطبيعة الخضراء وحياة القرى البسيطة، اضافة الى حياة المدن المتطورة المليئة بضجيج السيارات.

بالحديث عن السيارات، أستطيع الجزم بأن شوارع هذه المدينة لم تتم اعادة سفلتتها منذ اكثر من ١٠ أعوام، فهي قديمة ومتهالكة جداً. سار بي سائق الأجرة إلى بنما القديمة حيث سأقيم، فعادة ما أفضل السكن والعيش في بيئة طبيعية تاريخية أثرية تستحق عناء السفر، عند دخول السيارة إلى المنطقة المسماة ببنما القديمة هالني حقاً هذا الاختلاف الكبير الموجود في هذه البلاد، فهنا حقاً ما أريده، الماضي التاريخي العريق.

نزلت إلى الفندق الواقع في مبنى يمتد إلى أكثر من ٨٠٠ سنة، كانت هناك شابة في قسم الإستقبال، ما أن رأت هذا الفتاة جواز سفري (كنت قد اعتدت على ردة فعل الناس تجاه هذا الأمر) حتى باغتتني قائلة: “اعرف السعودية جيداً، فأبي لبناني الجنسية، وأمي ڤينيزويلية” عرفت فيما بعد بأن أب هذه الفتاة كان قد هاجر من لبنان إلى ڤينيزويلا حيث قابل هناك فتاة أحبها وارتبط بها وأنجب هذه الفتاة، قبل أن يفترقا كما هي اغلب قصص الحب في هذه الأيام.

بعد الصلاة وقليلا من الراحة خرجت للتجول في هذه المدينة القديمة والتي كانت هي بداية تأسيس الدولة، كان عدد سكان هذه المدينة ١٠٠ نسمة فقط عند تأسيسها، فقد توفي العديد من سكان هذه المدينة جراء بناء القناة المائية الواقعة بها وبسبب مرضي الملاريا والحمى الصفراء أيضاً، كنت أرى أثار الاستعمار الإسباني واضح جداً على مبانيها، فجميع هذه المباني لازالت تحتفظ بلمسات أندلسية رائعة بجميع تفاصيلها، هدوء تام وحياة جميلة عشتها حتى عدت الى فندقي قبيل مغيب الشمس استعدادا للإفطار.

قناة بنما

قناة بنما

توجهت في صباح اليوم التالي إلى قناة بنما، وهو كما يسمى بأعجوبة القرن العشرين، فقد كانت هناك محاولات من الحكومة الفرنسية لبناء هذه القناة الا انه قد توفي مئات الألوف من العاملين بسبب الأمراض التي أجبرتها على الاستسلام، لتقوم الولايات المتحدة الأمريكية بعد حوالي ٣ سنوات بمحاولة إتمام الأمر، رغم وفاة الكثير أيضاً لنفس الأسباب، إلا انها استمرت بالعمل الشاق حتى افتتحت القناة الرابطة والواصلة مابين المحيطين سنة ١٩٠٤م.

بعد قضاء يومين جميلين في مدينة بنما، وهي مدة كافية بالنسبة لي، توجهت بعدها إلى المناطق الريفية حيث توجد مزارع القهوة والتي تعتبر أحد أهم ما يميز هذه الدولة وصلت إلى المطار وتوجهت إلى صالة المغادرة قبل موعد الرحلة بوقت طويل، كانت مسافة الرحلة حوالي أربعون دقيقة إلى أن حطت الطائرة في مطار ديڤاس، وهو المطار الوحيد في هذه المنطقة.

لم أكن أنوي استئجار سيارة ببداية الأمر قبل حضوري إلى بنما، ولكن عند قرائتي لتعليمات الفندق الذي سأسكن به قرأت بأنه يصنح بإستئجار سيارة فهناك العديد من الأماكن التي تستحق الإكتشاف. خرجت من المطار متوجه إلى مكتب تأجير السيارات والذي يبعد خطوات قليلة جدً عن المطار، كان سعر تأجير السيارة مناسباً جداً، بل كان أرخص من سعر تأمين فترة الإيجار نفسها، خرجت من المطار متوجهاً إلى وجهتي النهائية، بوكيتي، في رحلة تستمر لمدة ٥٥ دقيقة.

وصلت إلى الفندق الذي يقع على مقربة من بلدة بوكيتي، اسمه “بوكيتي قاردن ان” وهو فندق يحتوي على حديقة رائعة وجميلة واراه مناسباً لمن يريد السكن في هذه المنطقة، كانت إجراءات تسجيل الدخول سريعة جداً، ارتحت قليلاً ومن ثم خرجت لتناول طعام الغداء في المطعم المجاور.

كان المطر قد بدأ بالهطول بشد عند وصولي إلى المطعم، نزلت درجة الحرارة إلى أن أصبحت ٢١ درجة مئوية، كان المطعم القريب من الفندق بسيط المظهر رائع المذاق، استغربت بداية من وجود أصناف عربية مصرية، إلى أن رأيت مالك المطعم السيد جورج والذي أخبرني أنه يعود إلى أصول مصرية الا انه ومع الأسف الشديد لا يتحدث العربية بطلاقة، تناولت في المطعم بيتزا مطبوخة على الحطب وقد كانت حقاً رائعة ولذيذة.

اسهل طريقة لغسل الملابس أثناْ السفر

اسهل طريقة لغسل الملابس أثناْ السفر

استمر المطر بالهطول بقوة مما أجبتني ذلك الركض بسرعة إلى الفندق بعد تناول وجبة طعام الغداء، قضيت بقية الوقت أتعرف على نزلاء الفندق وقضاء وقت جميل معهم، نزلت إلى وسط البلد في المساء لشراء بعض الحاجيات ومن ثم عدت إلى غرفتي لغسيل الملابس وتناول طعام العشاء والذي هو عبارة عن ما تبقى مما تناولته عصر هذا اليوم.

استيقظت في صباح اليوم الناس في تمام السابعة صباحاً على أصوات العصافير التي تملئ الحديقة الخارجية، إفطارا شهياً في وسط الحديقة تحت ظل أشعة الشمس الباردة وبصحبة العصافير، انهيت تناول طعامي في تماماً الثامنة وخمس وأربعون دقيقة استعداداً لنشاط هذا اليوم، مزارع القهوة في بوكيتي.

حضرت السيارة والتي كنت قد نسقت معها مسبقاً إلى الفندق في تمام التاسعة صباحاً ليأخذني السيد كارلوس إلى أحد مزارع القهوة الثمانية الشهيرة بالمنطقة، استمعت إلى شرح كامل ومفصل عن دورة حياة القهوة، أنواعها، تفاصيلها وخطوات معالجتها بشكل كامل، قبل ان استمتع بشرب كأس لذيذ من القهوة الطازجة.

عدت إلى الفندق في فترة الظهيرة للصلاة والراحة ومن ثم توجهت إلى مطعم كان جميع من في الفندق قد نصحني به يدعي Big Daddy وكان حقاً مطعماً مميز رغم بساطة المكان، الأمر الذي جعلني أتناول فيه ليس غدائي فقط، بل وعشائي أيضاً.

كنت قد احسنت الخيار عندما قررت استئجار سيارة عند وصولي لهذه المنطقة، فهناك حقاً الكثير لإكتشافه، ذهبت إلى النهر الجاري والذي يبعد حوالي ٤٥ دقيقة قضيت معظم الوقت بالسباحة هناك إلى قبيل مغيب الشمس.