أمريكا اللاتينية

الإكوادور، جزر الجالاباجوس

موقع الجزيرة كما تبدو في النقطة الزرقاء

موقع الجزيرة كما تبدو في النقطة الزرقاء

في صباح يوم الجمعة، الخامس عشر من شهر شوال من العام ١٤٣٦ هـ، الموافق، الواحد والثلاثون من شهر يوليو لعام ٢٠١٥ إستيقضت في تمام الرابعة والنصف فجراً، خرجت برفقة سائق الأجرة متوجهاً إلى مطار كيتو الدولي مغدراً دولة البيرو، لم تكن معالم الطريق واضحة بسبب الضباب، وكعادة السائقين اللاتينين في القيادة الجنونية رغم عدم وضوح الطريق، وصلت إلى المطار بوقت كافي جداً إستعداداً للذهاب إلى جزر الجالاجابوس البركانية، سيستعرض هذا التقرير المبسط رحلتي إلى جرز الجالاجابوس في الإكوادور

ثلاث نماذج ورقية يجب عليك تعبئتها قبل زيارة الجالاباجوس

ثلاث نماذج ورقية يجب عليك تعبئتها قبل زيارة الجالاباجوس

كنت قد قرأت عبر موقع الجزيرة الرسمي أن هناك العديد من الترتيبات التي ينبغي فعلها والإلتزام بها قبل الصعود إلى الطائرة، الأمر الذي دعاني إلى الذهاب إلى المطار باكراً، فور دخولي وتوجهي إلى مكتب خطوط طيران لان (LAN) لشحن الحقيبة، أخبرتني الموظفة بضرورة شحن الحقيبة من مكتب بالمطار وضع خصيصاً للمسافرين الراغبين الذهاب إلى جزر الجالاجابوس، وصلت إلى المكتب المعني، سألوني عدة أسألة عن سبب ذهابي إلى الجزيرة، بعد تفتيش محتويات الحقيبة والتأكد من عدم خلوها من الأطمعة والنباتات وأمور أخرى (إذ يمنع النظام ذلك حمايةً للجزيرة) طلبو مني دفع رسوم للضرائب تبلغ قيمتها ٢٠ دولار أمريكي، إستلمت بعدها ٣ نماذج ورقية يجب علي تعبئتها جميعاً، أستطيع الجزم بأن قوانين دخول هذه الجزيرة أصعب من قوانين دخول الدولة نفسها، ويعود السبب في ذلك إلى الرغبة في المحافظة على طبيعة الحياة المختلفة وندرتها.

تقع جزر الجالاجابوس البركانية في المحيط الهادي على جانبي خط الإستواء غرب جمهورية الإكوادور، إذ تشتهر الجزيرة بندرتها و عذرية أرضها، فضلاً عن إنتشار العديد من المحميات البرية والمحمية بمختلف حيواناتها النادرة، ببادئ الأمر واجهت حكومة الإكوادور صعوبة في نقل بعض من سكان الجمهورية إلى هذه الجزيرة في بداية إكتشافها، فإنعدام مقومات الحياة وصعوبة الذهاب منها و إليها أسباباً كافية لرفض الكثير بالعيش هناك، حتى بدأت الحكومة بإعطاء أراضٍ مجانية وفرص أخرى مغرية لتشجيع المواطنين بالعيش هناك، كان عدد سكان الجزيرة عند بداية إكتشافها لا يتجاوز المئتان نسمة، أما الآن فيقدر عدد سكانها حوالي ٢٥،٠٠٠ نسمة خصوصاً بعد إنشاء مطارها الأول سنة ١٩٨٦، الوصول إلى هذه الجزيرة ليس سهلاً ويتطلب تكلفة قد تكون عالية لمسافري الدخل المحدود، لكنها تجربة رائعة ووميزة، الأمر الذي جعلني أخص بزيارتي للإكوادور زيارة الجزيرة فقط لندرتها، للذهاب إلى هذه الجزيرة هناك رحلتان يومياً فقط و جميعها في الصباح الباكر عبر كل من خطوط LAN بالشراكة مع طيران TAM أو عبر طيران AEROGAL التابعة لطيران أفيانكا، جميع الرحلات إلى الجزيرة تكون من خلال كل من العاصمة كيتو أو من مدينة أخرى تدعى Guayaquil والتي تملك خياراً إضافياً وهو الذهاب بالباخرة.

كان الجو العام في جالاجابوس يختلف تماماً عما هو عليه في العاصمة كيتو، وهذا حال الجزر، فقد كان الجو حاراً دون أي رطوبة تذكر، ركبنا الباص جميعاً متوجهين إلى المرسى المائي في رحلة تستمر ربع ساعة، لنركب بعدها القارب بتكلفة رمزية تبلغ ١ دولار نعبر من خلالها الجزيرة إلى جزيرة أخرى تدعى (سانتا كروز) بفترة لا تتجاوز الخمس دقائق، بعد ذلك يركب كل مسافر سيارة أجرة للتوجه إلى فندقه المعني بمعدل يستغرق حوالي أربعون دقيقة، وصلت إلى الفندق في تمام العاشرة والثلث صباحاً، لم تكن الغرفة جاهزة مما توجب علي الإنتظار حوالي أربعون دقيقة في المنطقة الخارجية، ما لفت إنتباهي، هو إرتياح جميع الحيوانات وإسترخائهم في الأماكن المخصصة للسياح و ساكني الفندق، كانت بعض الحيوانات تدخل إلى داخل الفندق دون أي يجرؤ أحداً على منعها، لا تحس جميع الحيوانات بتواجد البشر بسبب الأنظمة الصارمة بالجزيرة، إذ يمنع منعاً باتاً إطعام الحيوانات أو إخافتها، فضلاً عن الإقتراب منها لمسافة أقل من مترين، جعل من هذه الأنظمة أسباباً كافية لإحساس الحيوانات بالأمان التام والتصرف كما تشاء، في الحقيقة، كنت أنا من يخاف من الحيوانات وليست هم، كنت جالساً في صالة الطعام الخارجية أتأملهم بحذر مصحوب بدهشة بنفس الوقت، فهم أصحاب المنزل لا أنا، إلى أن نادتني موظفة الإستقبال لتخبرني بجاهزية الغرفة، غفوة قليلة حتى وقت الغداء.

حمم لوس جيملوس التوأم

حمم لوس جيملوس التوأم

كانت وجهتي الأولى في هذه الجزيرة هي حمم (لوس جيملوس التوأم) Los Gemelos – The Twins وهي حمم منهارة كبيرة جداً ذا قوى طبيعية بيولوجية غريبة، وقفنا جميعاً على حافتها متأملين التجويف الضخم الأشبه بما نراه في الأفلام السينمائية، وقت قصير قضيناه هناك قبل أن نتوجه إلى المحمية الكبيرة، الغريب في هذه الحجز ليست الحيوانات الساكنة بها فحسب، بل وحتى أجوائها المتقلبة، فالجو في جزيرة سانتا كروز بارد قليلاً على العكس تماما ببقية الجزر الأخرى ولا أعلم السبب، كانت المحمية الكبرى مليئة بالسلاحف، سلاحف ضخمة جداً يصل عمرها إلى ٢٥٠ سنة بمتوسط ١٢٥ سنة للسلحفاة الواحدة، توجد في هذه الجزيرة ٥٠٠٠ سلحفاة كنا نرى بعضها عن مسافة لا تقل عن مترين كما هو القانون، كانت تتحرك ببطئ، ببطئ جداً، أردنا الإحساس بثقل الصدفة التي تغطي كامل السلحفاة، كان هنالك مكان مخصص به صدفتين خاليتين من الداخل لمن يريد تجربة ثقلها بنفسه، تحمس البعض لتجربة حجم وثقل الصدفة، لم أكن أريد التجربة بالبداية فأنا سعيدة بتركيبتي البشرية ولا أريد الإحساس بإحساس الحيوانات، إلا أن قليلاً من التشجيع جعلني أتغاضى عن ذلك و أذهب لأدخل نفسي بداخل الصدفة محاولاً الزحف بها قليلاً، ويا لها من صدفة، لن ألوم السلحفاة على سيرها ببطئ بعد الآن فهي حقاً صدفة ثقيلة ذو مناعة عالية. سرنا بداخل بعض الكهوف الباردة قليلاً، ومن ثم قضينا بعض الوقت نتتبع السلاحف إلى أن عدنا مساءاً إلى الفندق في تمام السابعة مساءاً إستعداد للعشاء ومن ثم الإستمتاع بضوء البدر المكتمل لوقت متأخر من الليل.

محاولة الإحساس بشعور السلحفاة

محاولة الإحساس بشعور السلحفاة

إن كنت من محبي الغوص فلا تنس تجربة الغوص في هذه المنطقة النادرة جغرافياً، كان هناك العديد من الغواصين المنتسبين مع العديد من الشركات المعتمدة كانو على أتم الإستعداد لخوض التجربة، أثناء الطريق إلى المرسى المائي أخبرني المدرب أنه هنالك العديد من أسماك القرش ذات المطرقة، وأن فرصة رؤيتها واردة جداً، ابتلعت ريقي قليلاً، فعلى الرغم من شجاعتي وتهوري وشغفي لتجربة مختلف أنواع المغامرات إلا أنني أخاف كثيراً مما هو تحت الماء عموماً، كثيراً ما أرتبك مما أراه، ركبنا القارب جميعاً برفقة مجموعة مع الغواصين الآخرين، بعد رحلة إستمرت حوالي ٢٥ دقيقة إبتعدنا فيها عن الجزر بمسافة كافية، حتى بدأنا جميعاً بالإستعداد للغطسة الأولى، تلقينا التعليمات المعتادة، والتمارين السريعة للتأكد من الإلمام بجمع المهارات في الحالات الطارئة تحت المياه، خلال الإستعداد للغطسة الأولي كان القارب يتعرج يمنة ويسرة بسبب قوة الأمواج، بدأنا جميعاً بتجهيز معدات الغوص، هناك عدة أمور غير مريحة في هذه الرحلة، أمواج قوية، فرصة لرؤية حيوانات المفترسة، وأخيراً جهاز التنفس لم يكن يعمل بشكل صحيح، كل هذه أسباباً كافية لتجعلني أتوتر قبل أن حتى أقفز بالماء، كانت هناك فرص سهلة للغاية لرؤية أسماك القرش ذات المطرقة، كان عدد ما رأيته يقل عن عشرة أسماك قرش تقريباً، لم تكن الأسماك قريبة منا كثيراً، إلا أنها كانت واضحة بالوضوح الذي يجعلني أحس بالقشعريرة تحت الماء.

أحد أندر الحيوانات التي من الممكن رؤيتها في جزر الجالاجابوس هو حيوان الإجوانا الذي قد يخطر ببالك أنه شرس ببادئ الأمر إلا أنه عكس ذلك تماماً، فهو حيوان ذو عينيان وسيعتان وظهراً شائك المظهر تجده مسترخي دائماً قريباً من البحر، يتميز إجوانا الجالاجابوس بأنه حيوان يستطيع الغوص لعدة أمتار تحت المياه تصل إلى ٩ أمتار لمدة طويلة بعكس حيوانات الإجوانا الموجودة في المحميات الأخرى، مما جعل من هذه الجزيرة جزيرة مميزة الصفات والتضاريس والمخلوقات أيضاً