البيرو، كوسكو – الوادي المقدس وأولانتايتامبو
كوسكو، العاصمة التاريخية للبلاد وموطن حضارة الإنكا، بلدة صغيرة جداً تحيطها جبال الإنديز الممتدة على طول الساحل الغربي لأمريكا اللاتينية والتي يبلغ طولها حوالي ٧١٠٠كم بإرتفاع يتجاوز الـ ٤٥٠٠م عن سطح البحر، كانت هذه الجبال تشكل دفاعاً وحصناً منيعاً لكل من يحاول الوصول أو التعرض للبلدة لأي خطر أو هجوم، هنا سكنت وعاشت حضارة عريقة وبأزمنة مديدة حتى أصبحت مرجعاً تاريخياً لا يتوارى الجميع عن زيارته.
تعتبر كوسكو العاصمة التاريخية للبيرو، و في عام ١٩٨٣م أصبحت كوسكو موقعاً تراثياً عالمياً من قبل منظمة اليونيسكو، ترتفع كوسكو حوالي ٣٦٠٠م عن سطح البحر، الأمر الذي قد لا يكون مناسباً للبعض بسبب نقص مستوى الأكسجين، على الرغم من كثرة المتاحف المنتشرة في المدينة وأهمها متحف الإنكا، إلا أنني لم أزر أية متاحف آن ذاك، يعود السبب في ذلك إلى أن تواجدك في هذه البلدة أشبه بحد ذاته بمتحف كبير، يوجد بوسط المدينة كاتدرائيه سانتو دومينغو كوسكو كانت قد تعرضت لزلزال سنة ١٩٥٠م، رغم الزالزال الكبير كانت الكاتدرائية قوية صامدة إلا من بعض الأضرار البسيطة والتي تم ترميمها من قبل الجيش الإسباني، تعتبر كوسكو نقطة إنطلاق رئيسية لجميع الرحالة الذين ينوون زيارة حضارة الإنكا بتفاصيلها، لذا تجد منذ وصولك إلى المطار وحتى بوسط المدينة، العديد من المكاتب السياحية المتخصصة بعمل رحلات عدة بوسط وحول المدينة، فضلاً عن زيارة الموقع الأهم “ماتشو بيشتو”.
خرجت من المطار وبإستخدام سيارة الأجرة ذهبت إلى وسط المدينة القديمة حيث سكني، أول شيء لاحظته هو كثرة إستخدام الطوب الأحمر في كل مكان، كل شيء قديم ومتواضع، يتخيل لك ببداية الأمر أن هذه البلدة بعيدة كل البعد عن كل ما هو له علاقة بعصرنا الحالي، لفت إنتباهي تمثال باتشاكوتي والذي كان بدوره الإمبراطور التاسع بالفترة مابين ١٤٣٨-١٤٧١م، ما إن وصلت الفندق بوسط المدينة القديمة حتى تذكرت أمراً مهما كنت قد قرأت عنه كثيراً، الكوكا.
تصنف ورقة الكوكا بأنها نتبة منشطة تزرع في كل من الأرجنتين، كولومبيا، البيرو وبوليفيا، وإن لجأنا إلى القاعدة الشرعية التي تقول أن الأصل في كل الشيء الإباحة إلا ما أقتضى تحريمه، فإن الأصل في نبتة الكوكا أنها نبتة عادية لا تحتوي على أية أعراض جانبية قد تكون سيئة، إلا أن أصبح البعض يستخدمها ضمن صناعة مخدر الكوكايين بالإضافة إلى مواد أخرى بالطبع، الغريب في الأمر أن إحدى شركات المشروبات الغازية أصحبت تستخدم نسبة من مادة الكوكا رسمياً ضمن مشروباتها منذ عام ١٨٨٥م فبالتالي لا مانع من إستخدامها كنبتة عادية دون إضافات تذكر، هناك من يستخدم هذه النبتة إستخدام سيئاً جداً، وهو وضعها وحبسها في الفم دون أية مضع، بل تركها كما يفعل بعض سكان اليمن مع ما يسمى بـ (القات) وهذه طريقة سيئة جداً قد تؤدي إلى الإعتياد والإنسياق وراء أمور لا تحمد عقباها، بالنسبة لي، فأنا كنت أشربها شرباً عادياً فقط، كنت لا أفضل حتى مضغها او وضعها في فمي، كنت أشربها كما أشرب الشاي فحسب، الجدير بالذكر أن هذه النبتة ممنوعاً دولياً من غير الدول التي ذكرتها أعلاه نظراً لخشية إستخدامها إستخدام غير سويٍ أبداً، فاحرص كل الحرص أن لا تأخذ معك هذه النبتة خارج دولة البيرو، عندها ستكون هنالك نتائج لا تحمد عقباها.
قضيت معظم اليوم بالتنزه في وسط المدينة، كان الجو مشمساً بارداً قليلاً، قضيت معظم الوقت بالتصوير، على الرغم من إرتفاع المدينة الشاهق إلا أنني لم أحس بأية أعراض ويعود السبب في ذلك هو تدرجي في الإرتفاع خلال هذه الرحلة والتي كانت فكرة موفقة جداً، كل شيء قديم هنا، المباني، الممرات الضيقة، التصاميم والتي تشعرك بوهلة بأنك بمكان أشبه بالأندلس، حيوانات اللاما والباكا والتي تتواجد في المناطق اللاتينية فقط، كل شيء مختلف هنا كانت تجربة موفقة عند تناولي لوجبة الغداء قطعة من لحم الباكا المشتوي بإضافة القليل من صلصة الكوكا والبطاطا.





الوادي المقدس
رافقني في صباح اليوم التالي أصدقاء كانا قد رافقاني طيلة فترة توجدي في كوسكو، السيد دانييل وصديقته السيدة مونيكا، شابان في أوائل الثلاثينات يقيمان في سان فرانسسكو، الولايات المتحدة الأمريكية، وهما هنا لنفس الغرض، كانت بداية الجولة هي الذهاب لسوق شعبي بأحد القرى الصغيرة تلاها الذهاب إلى منطقة تسمى بالوادي المقدس Sacred Valley وهي أحد معاقل إمبراطرية الإنكا التي لم يعرف حتى الآن السبب من إنشائها، يمر بالوادي المقدس نهر يسمى باللغة القديمة بإسم (ويلكاميو) ويعني النهر المقدس، حيث يمر هذا النهر بالوادي المقدس وبعدة مزارع وقرى أخرى أهمها بما يسمى بـ (أولانتايتامبو).
كنا نسير، دانييل، مونيكا، وأنا، بداخل وبين ممرات الوادي المقدس لساعات طويلة، المنظر الفيسح الممتد على مد البصر والهواء البارد العليل بجوار النهر وآثار هذه الحضارة المنسية جعلني أتفكر كيف إستطاع هؤلاء الناس الوصول للعيش والصبر في مكان كهذا دون علم أحد، فهو موقع مميز بجميع مقومات الحياة من حصن منيع بجبال الأنديز، مياه وفيرة ومزارع في كل مكان، إستمرينا بالمشي لمدة خمس ساعات متواصلة، تعبنا كثيراً بآخرها نتيجة الصعود والنزول المستمرات في ظل الإرتفاع العالي ونقص مستوى الأكسجين، الأمر الذي تطلب جهد عالي في التنفس خصوصاً عند حاجة الإنسان للتنفس العالي عند بذل أي مجهود، كان الأمر مهماً جداً بأن نتدرب على المشي في ظل نقص الأكسحين تمهيداً لمى سيحدث غداً، بعد إنتهاء الجولة ذهبنا إلى مطعم متواضع للغداء من الواضح أنه كان مخصصاً للسياح لإحتوائه على أصناف غذائية عدة، تناولنا غدائنا جميعاً ومن ثم توجهنا إلى “أولانتايتامبو”.
تقع أولانتايتامبو في مسافة تبعد حوالي ٥٥ كم عن شمال غرب المدينة كوسكو، وهي واقعة على إرتفاع يبلغ حوالي ٢٨٠٠م فوق سطح البحر، تعتبر القرية بمثابة نقطة إستعداد أخيرة لكل الراغبين بالذهاب أو العودة من حضارة الماتشو بيتشو نظراً لتوقف محطة القطار بهذه المنطقة، تحتوي أولانتايتامبو على العديد من المطاعم وأماكن تبديل العملات، فضلاً عن معبد المسمى بمعبد “هيل” وهو عبارة عن تل شديد الإنحدار بُنى عليه معبد كامل بواسطة الصخور الصخمة تقرباً لإله الشمس كما تسود المعتقدات لديهم، فضلاً عن وجود العديد من المنحوتات أهما محنوتة على شكل رجل ضخم بوسط جبل يسمى بجبل تونوبا، وصلنا إلى هذه القرية قبل مغيب الشمس بوقت كاف، لنرتاح قليلاً ومن ثم نقضي بقية الوقت بمعبد هيل، إلى قبيل غروب الشمس.