نهر الأمازون
في صباح يوم الجمعة الموافق ١٧ يوليو ٢٠١٥ غرة عيد الفطر السعيد، توجهت إلى المطار مدينة بوافيستا البرازيلية، وبعد إتمام إجراءات تسجيل الدخول، تذكرت مصادفة ومن خلال الشبكات الإجتماعية، بأن اليوم هو غرة عيد الفطر المبارك، أتمت إجراءات المعايدة الروتينية خلال إنتظار موعد الطائرة، كان حجزي هذه المرة بواسطة خطوط طيران تدعى أچول (AZUL) كانت رحلتي من مناوس إلى بلدة صغيرة جداً تدعى (تيفي) بمدة تقارب السبعون دقيقة فقط، أقلعت الطائرة من مناوس في تمام الثاني عشر والثلث ظهراً، كان المنظر من نافذة الطائرة المطل على أنهار الأمازون جميل ومبهر للغاية، يتجاوز طول نهر الأمازون أكثر من ٦٤٠٠ كم مشكلاً بذلك عمق هائل، ليصنف رسمياً كأغرز نهر في العالم، يمر هذا النهر العظيم بسبع دول أكبرها البرازيل، عند قرائتي عن نهر الأمازون، كنت قد ذهلت عندما علمت بأن ثلث حيوانات العالم تعيش هنا، غير أن يكثر وجود أسماك البيرانا في النهر، فضلاً عن ثعبان الأناكودنا القاتل وقرش الثور، وبالطبع لا ننسى بأن الأنهار بطبيعتها عذبة.
بينما يستمتع الجميع بعيد الفطر السعيد، كانت أستمتع أنا – بطريقتي الخاصة – في أنهار الأمازون، وصلت إلى مدينة تيفي في جو ماطر، الأجواء في الغابات الإستوائية غير مستقرة، قد ترى الغيم والشمس الساطعة والمطر الغزير كله هذا في ساعة واحدة فقط! كان حجزي في فندق يدعى Uakari Floating Lodge وهو فندق عائم على النهر وسط الأمازون، أغلب العاملين في الفندق كانوا من سكان غابات الأمازون المحليين، بعد حضور جميع المسافرين ركبنا السيارة و خلال عشرون دقيقة وصلنا إلى مرسى الصغير لنركب بعدها القارب والذي سيأخذنا بدوره إلى الفندق العائم برحلة تستمر ساعة كامة، كان الجو العليل والمنظر الجميل وسط الغابات الإستوائية كفيلاً بعدم الإحساس ببعد المسافة، بعد وصولنا إلى الفندق كان موعدنا بعد عشرون دقيقة للقيام بجولة بالقارب حتى مغيب الشمس، خلال الجولة كنا نرى طيور مختلفة كالتي رأيتها في البانتنال، إستمرت جولة القارب حوالي أربعون دقيقة، لنعود بعدها إلى الفندق إستعداداً للعشاء.
كان وقت العشاء في تمام السابعة مساءاً، وجبة العشاء كانت وجبات برازيلية متنوعة ولذيذة جداً، كنت قد أدمنت تناولت الحبوب البرازيلية البنية والسوداء مع الأرز، المانيوكا وبعض من الحلويات المحلية، بالإضافة إلى الأسماك المشوية المصطادة من النهر بلا شك، بعد العشاء ذهبنا للنوم إستعداداً للإستيقاظ مبكراً في اليوم التالي، عند إغلاق جميع إضاءات الفندق، هالني منظر النجوم والمجرة، فقد نسيت تماماً بأنني في وسط غابات بعيدة عن أي ضوء صناعي يمنعني من رؤية النجوم، وبالبطع، لم أتردد بتصوير المجرة!
إستيقضنا جميعاً باليوم التالي في تمام السادسة صباحاً، بعد الإفطار خرجنا جميعاً إلى القوارب إستعداداً لنشاط اليوم الأول، بعد حوالي خمس وعشرون دقيقة وصلنا إلى بيوت عائمة، كانت تبدو على ملامح هذه المنازل البساطة والفقر، كل شيء مبني من الخشب هنا أيضاً، مظاهر الحياة بدائية جداً، الكثير من الأطفال كانو منتشرين على أبواب المنازل والنوافذ، كان جميع من في المنزل ينظرون إلينا بإبتسامة بريئة عذبة، وقفنا عند أحد المنازل، نزلنا جميعاً، سلمنا على الأب وهو رجل كبير في السن، أخذ يحكي لنا الرجل عن كيفية العيش في هذا المكان، كان الرجل يتحدث باللغة البرتغالية بينما تترجم لنا أحد المرشدات حديثه، أخبرنا الرجل بأن هذه المنطقة محمية من الحكومة البرازيلية، ولا يسمحون عادة بقطع الأشجار، ولكنهم سمحوا لسكان الغابة بقطع ما يكفي إحتياجهم فقط لبناء منازلهم.
عدنا مرة أخرى إلى الفندق قبيل الظهر لنرتاح قليلاً، ومن ثم فترة راحة حتى قبل مغيب الشمس بقليل، لنخرج مرة أخرى لمناطق مختلفة من الأمازون كانت إحداها منطقة مليئة جداً بالتماسيح بمشهد مرعب قليلاً، ذهبنا لمشاهدة أعداد كبيرة ومتنوعة من القرود، أهمها ما يسمى بالقرد الكسول، وهو قرد حركته بطيئة جداً بعكس القرود المشاكسة اللتي إعتدنا عليها، تلى ذلك مشاهدة العديد من الطيور والإستمتاع بأصواتها الجميلة.
لم يكن اليوم الثالث يقل جمالاً عن الأيام السابقة، إستيقضنا في الوقت المعتاد، بعد الإفطار خرجنا لقوارب التجديف اليدوية، كانت الجولة البحرية هذه المرحلة بين الأشجار والممرات الضيقة،، قام الشاب العامل بالفندق بالتجديف بي يمنة ويسرة، كنا نضطر أحياناً كثيرة بالإنحناء للخلف، وبالإستلقاء أحياناً آخرى حتى نستطيع المرور بين الأغصان الكثيفة، رأينا أنواع عديدة وغريبة من الأشجار وجذورها المنتشرة في كل مكان، كان حركتا دقيقة جداً خشية فقدان الإتزان والإنقلاب، كنا نخاف من لمس جذوع الأشجار بسبب العناكب، كانت أشعة الشمس تتخلل الأشجار الكثيفة بشكل هادئ وجميل، كنت أتأمل ما حولي تارة، وأصور بكاميراتي تارة أخرى، أستمرت التجربة الرائعة أكثر من ثلاث ساعات لنعود فترة الظهيرة إلى الفندق إستعداداً للغداء.
قبل غروب شمس اليوم الأخير في الأمازون، ذهبنا لمشاهدة الدلافين، توجد في الأمازون أنواع مميزة من الدلافين المهددة بالإنقراض تسمى الدلافين الوردية، ألوانها وردية زاهية جميلة، تراها تقفز بكثرة وبكل وضوح حتى غروب الشمس.