طشقند
طشقند، المدينة الصخرية وعاصمة الدولة الحديثة، وأحد المدن الواقعة على طريق الحرير، كانت هي نقطة انطلاقتي لمجموعة عديدة من مدن أوزباكستان، حضرت إليها قادماً من روسيا في الثالث عشر من شهر أكتوبر لعام ٢٠١٨م، مطار بسيط ومتواضع ومرتبٌ للغاية، لم تستغرق إجراءات إتمام الدخول إلى البلاد بواسطة التأشيرة الإلكترونية أكثر من أربعة دقائق، لحظات حتى رأيت نفسي في سيارة روسية صغيرة متوجهاً إلى حيث أقيم، بيوت الشباب.
خرجت فوراً للتجول في الشوارع المجاورة، الأشجار تملئ المكان بمظهر جميل، الشوارع فسيحة، وتأملات الناس لساذح غريب هو جل ما كنت أراه! كنت أرى مزيجاً غريباً بين الأطباع الأوزبكية المتأثيرة تأثيراً واضحاً بالإستعمار السوفييتي، سرت بجانب جامعة طشقند ورأيت تمثال للإمام علي شير النووي، مؤسس اللغة الأوزبكية.
توجهت إلى متحف مجاور للفنون، العديد من المقتنيات الأوزبكية، والتي تشبه الكثير الأودات العربية والتركية والفارسية، إن لطريق الحرير تأثيرٌ واضح هنا.
توقفت لتناول طعام الغداء، اللحم الطيب والحساء الدافئ والخبز، الخبز الذي يحبه أهل آسيا الوسطى كثيراً، ويكنون له احتراماً عظيماً، وهو لذيذ المذاق ويصنع بإحجام مختلفة.
سرت في صباح اليوم التالي إلى متحف أوزباكستان الوطني، المتحف الذي يحتوي على معالم هامة عن ماضي أوزباكستان، بداية بطريق الحرير، مروراً باحتلال البلاد عبر الإتحاد السوفييتي، وانتهاءاً بتكون البلاد سنة ١٩٩١م.
كنت خلال تجولي بين شوارع طشنقد أتعرض للإقاف المتكرر من مجموعة شباب لم يعتادو على رؤية السياح كثيراً، يمارس بعضهم اللغة الإنجليزية، ويلتقطون بعض الصور، مررت بأول تمثال للأمير تيمور، البطل العظيم والذي ينحدر من سلالة جنكيز خان، أنه لأمر مريب أن يدمر جنكيز خان هذه الأرض الطيبة، ويظهر من سلالته تيمور البطل الذي يعيد أمجاد هذه البلاد إلى رشدها!
سرت إلى متحف الأمير تيمور، عند شراء التذاكر رأيت إمرأتين كوريتين تتحدثان اللغة الأوزبكية بطلاقة، أثار الأمر استغرابي كثيراً، علمت لاحقاً أنه يوجد الكثير من السكان ذو الأصول الكورية يقيمون هنا في طشقند، بل ويحملون جوازت سفر أوزبكية أيضاً.
تجولت في متحف الأمير تميور الذي يحتوي على الكثير من مقتنياته والكثير من الرسومات، بل وعلى نسخ قيمة من القران الكريم، أثناء تجولي بداخل المتحف تعرفت على شاب يدعى (سيد) كانت برفقة أخته التي تدعى (نازوكات) كان لقائي المفاجئ بهما فرصة جميلة كي يأخذاني بجولي في أنحاء طشقند.
توجهنا لمسجد مينور لصلاة الظهر والعصر، وهو جامع جميل حديث البناء، بني قبل أربعة أعوام.
سرنا بعدها لمدة نصف ساعة إلى برج طشقند، وهو برج ترتيبه الحادي عشر كأطول برج في العالم، قضينا بعضاً من الوقت في الحديقة المجاورة لها حتى المساء.
سرنا بعد ذلك إلى محطة القطار، وهي سلسلة محطات قديمة جداً بنيت خلال الإستعمار السوفييتي للمنطقة، قطارات مترو طشقند مشابهة تماماً لقطارات روسيا، حتى في تصميم بعض من محطاتها، من يدقق في هذه البلاد جيداً يرى لمسات واضحة للأيادي الروسية.
ذهبت في اليوم التالي إلى مركز المدينة والسوق القديم حيث كل شيء يباع هنا، اللحوم والخضروات والحبوب وغيره من المنتجات، كان الجميع بلا استثناء يتعجب من وجودي هنا، الكل يسألني عن اسمي وموطني، كانوا يلتقطون الصور كثيراً، كنت مرحباً بذلك رغم هدر الكثير من الوقت.
سرت بعدها إلى أحد المدارس القديمة والتي لا زالت تعمل إلى يومنا الحالي، التقيت بالعديد من طلاب اللغة العربية والعلوم الإسلامي، رحبوا بي في فصولها، تحدثت مع بعض المدرسين، قضيت وقتاً غنياً ثرياً مليئ بالمعلومات القيمة.
توجهت بعدها لأطيب مكان يمكنك من خلاله تناول أرز البلوف (البلو) مركز البلوف، يفتح يومياً من الثاني عشرة ظهراً وحتى الرابعة عصراً، يقدمون الأرز واللحم الطيب، طعام لذيذ وشهي وطازج لا يمل.
سرت بعدها إلي حضرة إمام، وهو عبارة ساحة كبيرة تحتوي على مسجد وسوق ومعهد الإمام البخاري الإسلامي، بالإضافة لنسخة قديمة من القران الكريم كتب في عهد الصحابي عثمان ابن عفان رضي الله عنه، قضيت معظم وقتي هناك حتى مغيب الشمس.
ألتقيت في المساء بأحد الصحبة ممن يطيب لهم الذكر، شاب من الكويت، الأخ والصديق الحبيب عثمان السنافي، يقيم في طشقند لعدة أعوام، أكرمني حق الكرم، جالسته عدة مرات في الكويت، والآن التقي به هنا في أوزباكستان، تعلمت منه الكثير عن ماضي وحاضر هذه البلاد، أتمنى أن ألتقي به مرة أخرى.