مدونات الصين

شيان، مقبرة الجنود وحي المسلمين

شيان، مدينة تقع على بعد ١١٠٠كم جنوب غرب العاصمة بكين، كانت تعتبر هذه المدينة قديماً أحد عواصم الصين السبعة، الا أنها الآن عاصمة مقاطعة شانسي الصينية.

في الأول من أغسطس من عام ٢٠١٤ أتيحت لي فرصة زيارة المدينة، وبسبب طول المسافة بين مدينتي بكين وشيان، كان من المفترض أن يكون وقت الإنطلاق تمام الساعة ٦:٣٠ مساءاً من بكين بواسطة قطار المبيت، والوصول اليوم التالي في الصباح الباكر، ومن ثم الإتجاه مباشرة إلى أحد أهم معالم مدينة شيان الرئيسية، مقبرة الجنود، ولكن لم يكن الحظ حليفي هذه المرة، فلم أجد حجزاً مناسباً من بكين إلى شيان بالتوقيت الذي أردته، مما إستدعاني الأمر إلى ركوب قطار فائق السرعة (٣٠٠كم/ساعة) والوصول إلى شيان خلال ٥ ساعات والمبيت بها إستعداد لليوم التالي.

عند تجربتي لقطار فائق السرعة للمرة الأولى

عند تجربتي لقطار فائق السرعة للمرة الأولى

وصلت إلى شيان في وقت متأخر من الليل، وفور استيقاضي صباح اليوم التالي توجهت إلى أهم معلم تاريخي في هذه المدينة، وهو سبب تواجدي في هذه المدينة "تيراكوتا".

تيراكوتا (مقبرة الجنود) أو جيش الطين كما يسمى، وتعود قصة هذا المكان، بأنه قد أعتقد الإمبراطور الأول للصين أنه قد أسس أسرة ستبقى في الحكم للآجيال العشرة آلاف القادمة، ولكنه توفي في عام ٢١٠ قبل الميلاد (بعد ١١ سنة من توليه منصب الإمبراطور) وكان عمره حين ذاك خمسون سنة، وقد أوصى الإمبراطور أن يتولى إبنه الملك من بعده، إلا أن وزيرين من وزرائه كانا يفضلان تنصيب إبناً آخر من أبناءه العشرين، مما أدى ذلك لنزاع تسبب في إنهيار الإمبراطورية خلال سنوات قليلة.

الجدير بالذكر، أن الإمبراطور الأول للصين كان يعاني من الخوف من الموت، مما أدى به إلى البحث عن جزراً تصلح لأن تكون مكاناً للخلود (كما يزعم) والتي قد يتوفر بها ما يعرف حينها بإكسير الحياة، تحت تأثير نفس الهاجس، أرغم حوالي ٧ آلاف رجل ببناء مقبرته، والتي إشتملت على جيش كامل من التماثيل الصلصالية في هيئة جنود وضباط من مختلف الرتب ومختلف المقاسات والأطوال، من عربات عسكرية وفرق وتشكيلات عسكرية مختلفة، وكان من بين هذه التماثيل أكثر من ٦ آلاف من الفرسان مع عرباتهم و خيولهم وكأنهم بشر حقيقيون، وكان هدف الإمبراطور هو تكوين جيش كامل لحماية قبره، حتى وإن كان من الصلصال!! وقد أُكتشفت هذه المقبرة في عام ١٩٧٤ م، وذلك بواسطة فلاحين كانو يحفرون بئراً بحثاً عن الماء، حتى أنشأت الحكومة الصينية متحفاً لها لإستقطاب الزوار، ويبعد هذا المتحف ٥٠ كم عن مدينة شيان، وقد تشرفت بزيارته (مقتبس من كتاب أسرار ذو القرنين).

 

أحد جنود الطين من متحف تيراكوتا

أحد جنود الطين من متحف تيراكوتا

متحف جنود الطين كما يبدو من الأعلى

متحف جنود الطين كما يبدو من الأعلى

يوجد أيضاً في مدينة شيان حي المسلمين، والذي يحتوي على الكثير من مطاعم (الحلال) وأغلب سكانه من المسلمين، فيما يوجد أيضاً بهذا الحي الجامع الكبير، والذي يعتبر بدوره من أقدم الجوامع في المدينة، عندما زرته كان لايزال محافظاً على مظاهر الإحتفال بعيد الفطر المبارك.

لجامع كما يبدو من الخارج

لجامع كما يبدو من الخارج

صليت بالمسجد صلاتي المغرب والعشاء، كنت حينها أول مرة أسمع فيها الأذن وأصلي مع الجامعة منذ سفري، إلتقيت بالإمام ذو الصوت الجميل في الصلاة، أسمه موسى، إبتهج إبتهاجاً كبيراً عندما علم أنني من المملكة العربية السعودية، يتحدث اللغة العربية الفصحى، تبادلت معه أطراف الحديث قليلاً، وذهبت، حقيقةً، تمنيت لو أنني أحضرت معي شيئاً من بلدي هدية لهم، كالتمر أو ماء الزمزم.

الجامع كما يبدو من الداخل

الجامع كما يبدو من الداخل

بعد نهاية هذا اليوم الطويل، أختتمت زيارتي لمدينة شيان، بالنوم في هذه الكبسولة الجميلة، وهي فكرة مبتكرة ورائعة أردت تجربتها، ورتبت لها قبيل سفري بوقت كبير، وبالطبع، سأعيد تكرارها إن اتيحت لي الفرصة مرة أخرى.

محدثكم، من داخل فندق الكبسولة

محدثكم، من داخل فندق الكبسولة

عندما ترى الإسلام في المجتمعات الأخرى، تراه صافياً، نقياً، دون نفاق