تشنغدو، مرة أخرى
تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيشوان في جنوب غرب الصين، واحدة من أكبر المدن أهمية ومركزية، بتعداد يتجاوز العشرة ملايين نسمة، وهي معروفة بموطن ومسقط رأس حيوان الباندا، تشتهر بكثرة الشاي، وبحب تناول سكانها للفلفل الحار دائماً.
سبق وأن زرت تشنغدو في شهر أغسطس من العالم ٢٠١٤م، وفي تلك الفترة تعرفت على فتاة رائعة تعمل في بيت الشاي ومازلت على تواصل مستمر طيلة هذه السنوات، عندما زرت مقاطعة شينجيانج أصرت علي بأن لا بد وأن أزورهم في تشنغدو، حتى تأخذني هي وزوجها إلى منزل أهلها في قرية قريبة مجاورة، حيث الحياة الريفية.
تحركت من كاشغر في رحلة استمرت ثلاث ساعات متوجهاً إلى تشنغدو، لا أزال أتذكر مطارها الذي يشبه مطار دبي الدولي في تصميمه كثيراً، وهو أقدم من مطار دبي بعدة أعوام. وصلت في الثامنة مساءاً، كنت "صوفيا" وزوجها "ستيفن" بانتظاري في صالة القدوم.
سلمت عليهم، وتعرفت على ستيفن الذي التقيه لأول مرة، لم يكن ستيفن يتحدث الإنجليزية على الإطلاق، لذا كانت صوفيا هي من تترجم لنا وتدير الحوار، فهي من كنت أعرفها مسبقاً.
غادرنا المطار مغدرين بذلك المدينة بأكملها، متوجهين إلى بلدة مجاورة تدعى جونج جيانج، كانت السماء تمطر، استمرت الرحلة ساعة ونصف، مدة قصيرة كانت مليئة بأحداث شيقة.
وصلنا إلى جونج جيانج في العاشرة ليلاً، كانت بإنتظارنا أخ صوفيا وزوجته، ذهبنا جميعاً لتناول طعام العشاء، طعام صيني مشوي على الطريقة الصينية، لقد كانوا حريصين جداً على اختيار أصناف من الصناف تناسبني لتناولها، كنت ضيفهم، وكنت محور اهتمامهم وكرمهم لحد الحرج منهم.
بعد الإفراغ من تناول طعام العشاء ذهبنا إلي المنزل الذي يقع على مسافة بعيدة من بلدة جونج جيانج، كانت الساعة حينها قد اقتربت من الواحدة ليلاً، كانت والدة صوفيا وجددتها بإنتظاري، سلمت عليهما، تشير العادة في الثقافة الصينية أن يقوم الزوج بالإهتمام بالضيف دائماً، فيما تقوم الزوجة بالعناية بأفراد العائلة.
كنت محرج للغاية، فقد ساق ستيفن سيارته من هذه القرية لساعة ونصف ليأخذني من المطار، وساعة ونصف أخرى حتى نعود إلى هنا، وحوالي ساعتين ونصف تناولنا بها وجبة العشاء، وها هو الأن يصنع لي شراب ساخناً كي أشربه، قام بعدها بوضع الكثير من المياء الساخنة في وعاء كي أغسل بها قدمي، قاموا بتجهيز غرفة في الطابق العلوي لأنام بها الليلة، الجو بارد هنا ليلاً، فلا حاجة لأي تكييف.
صحوت في اليوم التالي في الثامنة صباحاً، ألتقيت بأبنة صوفيا ذات الخمسة أعوام، وإبنها ذو الثلاث سنوات ونصف، إني لأتذكر هذا الإبن جيداً، فقد كانت صوفيا حاملٌ بهذا الطفل في وقت زيارتي الأولى لتشنغدو.
نزلت لتناول طعام الإفطار، كانت طاولة الإفطار مكونة من الأرز المحشو بورق البامبو، خضار وبيض مسلوق، أرز بالخضار، مفيد وصحي، جلسنا جميعاً على طاولة الطعام، ثمانية أشخاص، تناولنا طعام الإفطار جميعاً، شعرت وكأنني في منزلي.
خرجنا في التاسعة والنصف إلى مركز القرية، هنا درسة صوفيا الإبتدائية والمتوسطة، فيما درست الثانوية في مدرسة داخلية في بلدة جونج جيانج، كانت تقيم في المدرسة من يوم الأثنين إلى يوم الجمعة، فيما تزور أهلها يومي السبت والأحد.
تجولنا في السوق العام، كان سكان القرية ينظرون لي باستغرب واعجاب، لم يعتادو على رؤية شخص غريب في قريتهم، اشترينا بعضاً من مؤونة الغداء، قمنا بزيارة المدرسة الإبتدائية التي درست بها صوفيا.
عندنا مرة أخرى إلى وسط المزرعة حيث المنزل، الكثير من البحيرات وزهور اللوتس، والكثير من أشجار الذرة وبعض من الخضروات، وهو مصدر غذاء أهل القرية وسكان المزارع، رأينا رجل يذهب لإصيطاد السمك، قمنا باصطياد السمك معه لبعض من الوقت، في فترة الظهيرة، كان طعام الغداء متنوعاً، لقد حرص أهل البيت أن تحتوي طاولة الطعام على أصناف أستطيع أكلها، كان هناك الحساء والخضار واللحم والدجاج، لوكن بالطبع، طُبخت بطريقة لم أعتد عليها، كان الطعام لذيذ بمجمله.
نزلنا مرة أخرى إلى بلدة جونج جيانج لزيارة متحف قريب، يحكي هذا المتحف الكثير من الأدوار البطولية في ظل الحكم الشيوعي، كما تناول المتحف أيضاً دور الصين أثناء الحرب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، تجولنا بعد ذلك في البلدة قليلاً، ومن ثم ذهبنا لشراء أشهر كعك في المدينة.
بعد عودتنا إلى المزرعة ذهبنا إلى وسط الحقول لقطف بعضاً من الثمار، تسلقنا الأشجار وقطفنا الثمار المحلية، عندنا قبيل مغيب الشمس، تناول العشاء في الثامنة مساءاً، كان طعام العشاء شبيهاً بأصناف طعام الغداء مع بعض الإضافات البسيطة، استعدينا جميعاً للعودة إلى تشنغدو، بعد قضاء عطلة نهاية الإسبوع في هذه القرية الجميلة.
لم تختلف المدينة كثيراً عن سابق عهدها سوى بإكتمال شبكات خطوط النقل العام (المترو) ففي السابق كان لديهم خطين أثنين فقط، أما الآن فقد تفاجئت بوجود شبكة من الخطوط المتكاملة في المدينة، وقد أشرت في تقريري السابق عن مشروع شبكة النقل العام في تشنغدو عندما زرتها لأول مرة، زرت خلال إقامتي والتي استمرت ثلاث أيام إضافية، أكبر مبنى في العالم، وهو عبارة عن مجمع تسوق يحتوي على شاطئ داخلي مغلق، بالإضافة لزيارة بعض أحياء التسوق والمعابد البوذية.
لي شان
وهو جبل منقوش على شكل تمثال بوذي مطل على نهر المدينة الرئيسي، يتجاوز طوله سبعون متراً، يقع في بلدة تدعى لي شان، وهي تبعد حوالي ساعة واحدة عن مدينة تشنغدو، الذهاب لهذه البلدة يتم بواسطة القطار السريع، عند وصولي إلى بلدة لي شان، ركبت الباص والذي أخذني بدوره إلى المعبد البوذي في رحلة أخرى استغرقت نصف ساعة.