رحلات اليابان

الإنطباع الأول

قبل الرحلة

بدأت بالقراءة عن دول قارة آسيا ببداية عام ٢٠١٣م، كنت منهمكاً بالبحث عن دول كالصين وكوريا واليابان، تعمقت في تاريخ هذه الدول كثيرًا، رأيت الكثير من التاريخ المأساوي، أصبت بالذعر من هول ما قرأت عن اليابان، أذكر أني قلت بداخلي وقتها: "ماهذا التاريخ المأساوي الذي يحصل هنا؟! سأبدأ بالصين.

منذ عام ٢٠١٤ وحتى نهاية ٢٠١٩م زرت الصين وتايوان وهونج كونج ومكاو أكثر من عشرة مرات، كما زرت كوريا الجنوبية مرتين، كنت أزور هذه الدول بإستمرار ما عدا اليابان، كان التأثير التاريخي لا يزال بمحله، قررت هذا العام، وفي فصل الخريف زيارة إمبراطورية اليابان ولأول مرة، ولمدة شهرًا كاملاً.

اشتريت أربعة كتب من الأنترنت، جلست أكثر من أربعة أشهر أقرأ عن ما يمكنني زيارته في فصل الخريف، كنت أقرأ هذه الكتب كل يوم إلى أن يصيبني الإرهاق والتعب، تفاجئت حقيقة عن  كثرة المعالم وجمالها تاريخياً وطبيعياً، قررت التركيز في زيارتي الأولى على مناطق جبال الألب ووادي كيسو.

IMG_5883.jpg

الإنطباع الأول

في اليابان.. طوكيو

يوم الوصول

وصلت إلى مطار ناريتا الدولي، القريب من العاصمة طوكيو في حوالي التاسعة مساءاً، كان المطار تحت الترميم ولكن كل شيء منظم ومرتب، كان يوجد نقطة فحص صحية روتينية، عند اقترابي منها رأيت إمرأة في أواخر الأربعينيات من عمرها ترحب بي باللغة الإنجليزية، عندما رأت جواز سفري السعودي قالت وبدهشة تملؤها ابتسامة: السعودية! إنها بعيدة جدًا، كم ساعة استغرقت الرحلة إلى هنا؟ أجبت: ٩ ساعات من الرياض إلى مانيلا، ٤ ساعات اننتظار في الفلبين، واربع ساعات أخرى وصولاً إلى هنا. ردت وهي تقول: يبدو أنها رحلة مرهقة، أجبت: إنني أزور اليابان لأول مرة، أريد قضاء شهرًا كاملاً هنا، عدد ساعات الطيران ما هي الا البداية. تفاجئت عندما علمت أنني سأقضي شهرًا كاملاً في اليابان، قالت لي: شكرًا لزيارتك، أتمنى أن تقضي وقتاً ممتعاً.

عند انتهاء اجراءات الفحص سألتني بشكل مفاجئ: كيف تقولون شكرًا باللغة العربية؟ ظللت أقول لها وبلدغة  خفيفة: "شُكرًا.. شُكرًا" إلى أن حفظتها جيداً، إنحنت لي شاكرةً لي، ومن ثم ذهبت إلى دائرة الهجرة.

عندما توجهت إلى دائرة الهجرة كنت أسمع نفس الإمرأة تتحدث إلى زميلاتها باللغة اليابانية عني، وأنني قدمت من السعودية، سمعتها تعلم صديقاتها كلمة "شكرًا" أتت إلي بعدها قائلاً، جميعنا الآن نعرف كلمة شكرً باللغة العربية، سنقولها للزوار الذين يأتون من المملكة العربية السعودية.

يعملون ساعات طويلة

وصلت إلى وسط المدينة في حوالي العاشرة والنصف ليلاً، سرت لمدة ١٥ دقيقة متأملاً تفاصيل ما حولي من معالم، عندما اقتربت من مقر سكني (كان التوقيت حينها الساعة ١٠:٤٥م) رأيت مجموعة من الرجال وبشكل متفرق، يلبسون بدلاً رسمية وكأنهم للتو يخرجون من عملهم! قرأت كثيرًا عن عمل اليابانيين لساعات طويلة، أيعقل أن يعمل الفرد لساعات متأخرة من الليل وبشكل يومي؟!

الترحيب دائمًا すみません

عند استيقاظي في صباح اليوم التالي، يومي الفعلي الأول في اليابان، ذهبت إلى المتجر المجاور لشراء ما يمكنني تناوله كطعام للإفطار، فور دخولي للمتجر سمعت صوتاً ما يقول لي "سوميماسييين" لم افهم معناها أول الأمر، ابتسمت للبائع وتوجهت إلى قسم المعجنات لشراء ما يمكنني شراؤه. عند وصولي إلى مسؤول المحاسبة بالمتجر، كأن يأخذ الطعام من يدي وهو يردد كلمات ترحيبية وبأبتسامة طيلة الوقت، عندما دفعت المبلغ المطلوب، شكرني لذلك، وعندما خرجت، ودعني أيضاً. تكرر الأمر ذاته عندما ذهبت لشرب القهوة، وتكرر الأمر نفسه طيلة الثلاثين يوماً في اليابان.

احجز مقعدك بما تملك! 

ذهبت أول مرة لشرب القهوة في مقهى يقع في منطقة مزدحمة جداً، عندما دخلت رأيت من يدخل قبلي وبعدي، كانوا يقومون بحجز الكرسي أو الطاولة، وذلك إما بوضع الحقيبة، أو الكيس الذي يحمله، رأيت عدداً من الناس يضعون هواتفهم المحمولة على الطاولة كي يحجزوا مكانهم، ريثما يقومون بالطلب والعودة إلى الطاولة، تخيل أن تذهب (في دولة ما) وتضع جهاز الجوال على الطاولة ومن ثم تذهب لطلب مشروبك، هل ستجده عندما تعود؟

محطات القطار

وهي ما اذهلتني حقاً، فرغم كبر مساحتها وتعدد مداخلها ومخارجها وازدحامها على مدار الساعة، إلا أنها منتظمة ودقيقة تماماً ومرتبة جداً، إن حجم محطة قطار طوكيو الرئيسية يساوي تقريباً ١٨٢،٠٠٠م٢، وهي مساحة هائلة بما يكفي  لنقل حوالي ٥٠٠،٠٠٠ راكب بشكل يومي

خطأ بالنظام 

IMG_6073.jpg

ينتشر في اليابان أجهزة ذاتية لتحويل  العملات الأجنبية إلى عملة الين الياباني، استخدامها سهل وسلس، قمت باستخدامها في اليوم الأول لتحويل مبلغ ٥٠٠ دولار أمريكي إلى الين الياباني، لسبب ما، حدث خطأ في التحويل، استقبلت الجهاز جميع النقود، ولم تعطني شيء بالمقابل سوى إيصالاً يفيد وجود خطأ في النظام، مدون عليه رقمًا استطيع التواصل معه للمساعدة.

استغربت كثيرًا، استخدمت جهاز الهاتف المجاور للإتصال وطلب المساعدة، أثناء محاولتي إجراء الإتصال وصل رجل إلى الجهاز وقام بفتحه، ذهبت إليه فورًا، رآني وابتسم وعرف بأنني صاحب النقود قبل أن اخبره! استغربت حول كيفية معرفته لي وهو يراني لأول مرة، علمت بعدها بأنه عندما حدث خللاً بالجهاز، قام الجهاز بالتقاط صورة لي وحفظ النقود المحولة في درج خاص، اعطاني الموظف المبلغ المطلوب بالعملة اليابانية، اعتذر عن الخطأ، انحنى شاكرًا ومعتذراً مرة أخرى، شكرته بإنحناء، وذهبت!

هدوء تام

رغم ازدحام المدينة، إلا أن كل شيء هادئ هنا، لا تسمع سوى صوت أجهزة النداء والتنبيه فقط

جميعهم مؤدبون

جميعهم مؤدبون إلى الحد الذي قد يحرجك أحياناً، ابتسامتهم لطيفة، وهدوئهم المصحوب بأدبهم وطولة بالهم سبباً رئيسياً جعل انطباعي عن اليابان جميل جدًا في يومي الأول.

يساعدونك على فهم طبيعة حياتهم

لا تقلق إن كنت تخشى من الخطأ في اليابان بغير قصد، كنت أرى علامات الإرشاد في طوكيو باللغة الإنجليزية تشرح للسياح عن العادات المتبعة في الأماكن العامة، سواءاً في الحدائق أو المطاعم، حتى في وسائل النقل العام، كانوا يطلبون من الركاب باللغة اليابانية والإنجليزية، وضع هواتفهم المحمولة على وضعية الصامت، حتى لا يزعج صوت الهاتف راكبًا يريد أخذ قسطًا من الراحة.

IMG_5861.jpg

الارشادات في كل مكان

خصوصاً في العواصم

ما ذكرته أعلاه هو ما حصل لي في أول ٢٤ ساعة فقط من دخولي اليابان!